خلف أريكة يجلس عليها براء القوقا متوسطًا والديه، علقت والدته لافتة ورقية "مبارك يا أحلى براء... تفوقك في الثانوية العامة"، وقد تعمدت الأم أن تترك فراغًا ليخط براء المعدل بيده، ففاجئها بكرها بتفوق منقطع النظير خالف توقعاتها.
امتلأ البيت الكائن في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، بالأقارب والجيران وعلت أصوات الأغاني وامتزجت بأصوات الزغاريد؛ فرحًا بحصول براء القوقا على المركز الأول مستوى فلسطين بمعدل (99.7%).
تقول والدة براء وهي تكفكف دموع فرحة لا تترجمها الكلمات: "لم ينم براء ليلته لشدة توتره وترقبه لنتيجته، كان يخشى أن يحدثنا بتوقعه أن يكون ضمن قائمة أوائل فلسطين في الفرع العلمي، حتى لا نصاب بخيبة أمل".
وبمجرد أن وصلت رسالة عبر هاتفه المحمول بمعدل تفوقه، كبر مع والديه، وسجد لله شكرًا، فبراء حافظ للقرآن الكريم كاملًا منذ الصف التاسع، وكان إمامًا لمسجد حيه في شهر رمضان، ومنذ أن كان في الروضة لم يترك المرتبة الأولى، "لذا زاحم المتفوقين في مدرسة عرفات للموهوبين، وتفوق وتصدر قائمة أوائل الوطن".
بالحديث إلى براء، يقول لـ"فلسطين": "كان حدسي يخبرني بأنني سأكون من أوائل فلسطين، لأنني قدمت جميع الاختبارات دون أي صعوبة تذكر، ووضعت هامشًا لأي هفوة، أو نسيان، وكان لي ما أردت".
ويتابع: "البعض لم يكن يتوقع لي هذا النجاح الباهر، ولا سيما أنني في الصف الحادي عشر حصلت على 96%، لذا تحديت نفسي واجتهدت أكثر، وأخبرت والدتي بأنني سأرفع رأسها يوم النتائج، والحمد لله أنني لم أخيب ظنها".
النجاح طريقًا ليس مفروشًا بالورود ويحاط بالعقبات والصعوبات، مبينًا أن جائحة "كورونا" التي ضربت فلسطين قبل ثلاثة أعوام، أثرت على مستواه الدراسي وعانى قصورًا في الناحية التعليمية، ولكن باجتهاده، وتعاونه مع مدرسيه استطاع تجاوزه.
ويأمل براء بأن يُراجع المنهاج الدراسي الفلسطيني، خاصة الثانوية العامة وتقليل كمية المعلومات فيه، ومراعاة الفروق الفردية بين الطلبة.
إرادة الحلم
ولدى سؤاله عما إذا واجه صعوبات في أثناء تقديم الاختبارات النهائية، يجيب: "لم أواجه أي صعوبة، فكنت راسمًا لنفسي نظامًا معينًا أعانني على اجتياز كل الاختبارات بسلاسة، وكان نمط الأسئلة مريحًا بالنسبة لي، ولا سيما الأسئلة الاختيارية التي تعين على نجاح كثير من الطلبة".
ويطمح براء بدراسة الطب البشري، قائلًا: إن هذا حلمه منذ كان صغيرًا، "وقد حافظت على تفوقي طوال مراحل حياتي الدراسية لأصل إلى البالطو الأبيض".
تدخلت والدته حنان في الحديث قائلة: "كان حين يعود من الاختبارات، يصل هادئًا كما تعودت عليه، ويكتفي بقول يا ماما في فرحة تنتظرنا".
تعودت حنان على هدوء براء في حياتها، حتى أنها لم تبذل جهدًا في إقناعه وحثه على الدراسة، ولم يكن شخصية مرهقة، "براء مثابر لديه دافع داخلي يصر على النجاح. كنت أكتفي في تهيئة الأجواء له، وحث أخواته الأربع على المحافظة على الهدوء".
وتضيف حنان لـ"فلسطين": "لم يحصل براء على أي دروس خصوصية في حياته الدراسية، إلا في الثانوية العامة طلب بنفسه الالتحاق بدروس لمادتي الكيمياء والفيزياء ليس لأنه يعاني صعوبات فيها، بل لأنه وضع هدفًا أمامه بالحصول على العلامة الكاملة فيهما، وكان له ما أراد".
أما والده فلم يتجاوز توقعه معدل ابنه عن 99%، وهو لم يعلم بأن براء كان يتحدى نفسه لكي يعلو باسم والده "رائد" على منصات التتويج، ويردد في كل وسائل الإعلام المرئية، والمسموعة، والمقروءة أيضًا.