فلسطين أون لاين

حكم من صلى في المسجد وفاتته الجماعة بعذر

...
حكم من صلى في المسجد وفاتته الجماعة بعذر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإنَّ مَنْ حَرِصَ على صَلاةِ الْجَماعَةِ، فلم يُدْرِكْها مع الإمامِ مَعذوراً، فـَصَلاهَا في الْمَسجِدِ، فـَلَهُ أجرُهَا كامِلاً، وبَيَانُ هذا في أربَعَة بُنـُودٍ:

أولاً/ إنَّ صَلاةَ الرََّجُلِ جَمَاعَةً في الْمسجد تـَزِيدُ علَى صَلاتِهِ في بَيْتِهِ، وَصَلاتِهِ في سُوقِهِ، سَبْعاً وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، ولا يَتخَلَّفُ عنها إلا مُنافِقٌ مَعلومُ النِّفَاقِ، ولها فضائلُ أخرى كثيرةٌ؛ فإنَّ مَنْ كانَ قلبُهُ مُعَلَّقاً بالْمساجِدِ أظَلَّهُ اللهُ في ظِلِّ عَرشِهِ يَومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ، ومَنْ خرَجَ مِنْ بيتِه مُتَطَهِّراً إلى صَلاةٍ مَكتوبَةٍ؛ فأجرُهُ كَأجرِ الْحَاجِّ الْمُحرِمِ، وكَانَتْ خَطْوَتـَاهُ؛ إحْدَاهُما تـَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأخْرَى تـَرْفـَعُ دَرَجَةً، ومَنْ غَدَا إلى الْمسجِدِ أو رَاحَ، أعَدَّ اللهُ لَهُ في الْجَنـَّةِ نـُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أو رَاحَ، وغير ذلك.

ثانياً/ إنَّ مِنْ سَعَةِ فَضْلِِ اللهِ عَلَينا أنَّ مَنْ سَعَىٰ إلى صَلاةِ الْجماعةِ في الْمسجد، بَعدَ إسباغِ الوضوء، غُفِرَتْ لَهُ ذُنـُوبُهُ؛ أدرَكَ الْجماعَةَ، أو لَمْ يُدْركْها؛ فعَنْ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " مَـن تَـوَضَّـأَ لِلـصَّـلاةِ، فـَأسْـبَـغَ الوُضُـوءَ، ثـُمَّ مَـشَى إلى الصَّـلاةِ الْمَـكْـتُـوبَـةِ، فَـصَـلاهَا مَـعَ النَّـاسِ، أَوْ مَـعَ الْجَـمَـاعَـةِ، أَوْ فـي الْمَـسْـجِـدِ، غَـفَـرَ اللَّهُ لَـهُ ذُنـُوبـَهُ " أخرجه مسلم ورقمه (232)، وليسَ هذا فَحَسْبُ؛ وإنـَّما يُكتَبُ لَهُ أجرُ الْجماعةِ كاملاً؛ فعَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " مَـنْ تَوَضَّـأَ، فـَأَحْـسَـنَ الْـوُضُـوءَ، ثـُمَّ خَـرَجَ عَـامِـدًا إلى الْمسـجـدِ ( أي: قـاصِـداً صَـلاةَ الْـجـَمـَاعَـةِ فـِيـهِ )، ووَجَـدَ الناسَ قـَدْ صَـلَّـوْا؛ كـَتـَبَ اللهُ لَـهُ مِـثـْلَ أَجْـرِ مَـن حَـضَـرَها، لا يَـنْـقُـصُ ذلك مِـنْ أُجُـورِهِـم شَـيئاً " أخرجه النسائي ( 930 ) .

وشَرْطُ حُصُولِ هذا الأجرِ الكامِلِ لَهُ أنْ يَكونَ مَعذوراً في تأخُّرِهِ؛ فإنْ تأخَّـرَ عن تقصيرٍ، أو تكاسُلٍ، أو تفريطٍ ضَاعَ أجرُهُ، وفاتـَهُ خيرٌ كثيرٌ.

ثالثاً/ مَنْ أتىٰ الْمسجدَ للصَّلاةِ، فوَجَدَ الْجماعَةَ قد انتَهَتْ، فَلَهُ خمسةُ أحوال:

(الأولي) أنْ يُصَلِّيَ جماعةً مَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يُدرِكْ صَلاةَ الْجَماعَةِ مِثـْلَهُ؛ بِأنْ يُنشِئَ مَعَهُ جماعةً جديدةً؛ حتى ينالَ أجر الْجماعة كاملاً.

(الثانية) أنْ يُصَلِّيَ مأموماً بأحَدِ الْمَسبوقِيْن في صلاة الْجماعة، إنْ لم يَحضُرْ مَعَهُ أحَدٌ مِمَّنْ لَمْ يُدرِكْ الْجماعَةَ مِثـْلَهُ؛ فإنَّ لَهُ مِنْ ثوابِ الْجماعةِ بِمِقدار ما أدرَك منها مع ذلك الْمسبوق.

(الثالثة) أنْ يُصَلِّيَ مَعَ جَمَاعَةٍ انعَقَدَتْ بأحَدِ الْمَسبوقِيْن بعدَ سَلامِ الإمام، وقبلَ وصولِهِ.

(الرابعة) أنْ يتصَدَّقَ عليهِ أحَدٌ مِمَّنْ صَلَّىٰ مَعَ الإمام، فيُصَلِّيَ مَعَهُ جماعةً جديدةً، يَنوي بها نافِلَةً أو قضَاءً، ولا يَجوز لَهُ أنْ يُصَلِّيَها بِنِيَّةِ الفَرضِ نـَفسِهِ؛ لِما روىٰ أبو سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ   رَجُـلاً دَخَـلَ الْمَسْـجِـدَ، وَقَـدْ صَـلَّى رَسُـولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصْـحَـابـِهِ، فَـقَـالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَـنْ يَـتـَّـجِـرُ عَـلَى هَـذَا، أو يَـتَـصَـدَّقُ عَـلَى هَـذَا، فَـيُـصَـلِّـيَ مَـعَـهُ ؟"، فَـقَـامَ رَجُـلٌ مِـنْ الْـقَـوْمِ، فَـصَـلَّـى مَـعَـهُ" أخرجه أبو داود (574)، والترمذي (220)، وأحمد (11019)، واللفظ له.

(الخامسة) ألا يَجِدَ أحَدَاً يُصَلِّي مَعَهُ جماعةً، فإنـَّهُ يُصَلِّي مُنفَرِداً، ولا يَنصرفُ، فيُصَلِّي في بَيْتِهِ؛ لأنـَّهُ مَعذورٌ بِفَواتِ الْجماعَةِ، وعَدَمِ العُثـُورِ على مَنْ يَتصَدَّقُ عليه.

رابعاً/ مَنْ فاتـَتهُ صلاةُ الْجَماعَةِ، فدَخَلَ في الصَّلاةِ وَحدَهُ، فانـْعَقَدَتْ جَمَاعَةٌ وهُوَ يُصَلِّي مُنفَرِداً، فهُوَ بالْخِيارِ بين واحِدٍ مِنْ ثلاثة أمور:

( 1 ) أنْ يَستمِرَّ في صَلاتِهِ مُنفرداً؛ لأنـَّهُ مَعذورٌ.

( 2 ) أنْ يَقلِبَ صَلاتـَهُ نافِلةً، ويُخَفِّفَها؛ لِيُدرِكَ الْجَماعَةَ، وهُوَ أفضَلُ مِنْ صَلاتِهِ مُنفَرِداً.

( 3 ) أنْ يَقطَعَ صَلاتـَهُ؛ لِيَدخُلَ مَعَ الْجَمَاعَةِ من أوَّلِها، وهذا أولى؛ لِيُدرِكَ ثوابَ الْجَماعَةِ كامِلاً.

   وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وسلم.

مفتي محافظة خان يونس

الشيخ / إحسان إبراهيم عاشور

المصدر / فلسطين أون لاين