يقضي بَرهم أبو روك بعض الوقت تحت ظل شجرة جميز في بلدة خزاعة شرق خان يونس جنوبي قطاع غزة، يتعدى عمرها 100 عام، مكملًا بعنايته في هذه الشجرة العملاقة مسيرة جده الذي وهب ثمرها وظلها لعابري السبيل.
وينتظر المزارع أبو روك موسم طرح فاكهة الجميز البلمي وهو النوع الذي يأكله الإنسان ويقطف ثماره مطلع أغسطس/ آب القادم.
وبحسب أبو روك فإن شجرة الجميز لها سبعة "بطون" أي أنها تعطي الثمار سبع مرات في السنة، مع بداية الصيف، ومع نهايته، حيث تثمر بالنوع "البلمي" شهرًا بعد شهر، وفي بقية المرات تثمر بالنوعين الغُزي، والبوطي اللذين يُخصّصان كطعام للحيوانات، والطيور.
اقرأ أيضًا: ما علاقة الاحتلال بشجرة الجميز؟
ولا يزال أبو روك يحافظ على شجرتي جميز في أرضه ببلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس، وزرع شجرة ثالثة منذ عامين ونصف بدلًا من شجرة معمرة تلفت وكانت تسمى "الواوي"، للمحافظة على هذا التراث البيئي الذي تتمتع به بلدته.
ويقول أبو روك لـ"فلسطين" عن نبات الجميز: "يمتاز البلمي منه بلونه الوردي الفاتح، ومذاقه الحلو، ويذوب في الفم، ولا يحتوي على نواة. والجميز من الأشجار المعمرة غير المروية كالصبر، والخروب البري".
ويبين أبو روك أنّ أشجار الجميز كانت تُزرع على أطراف الأراضي الزراعية، لاستخدامها كحدود تفصل بين الأراضي، وأيضًا لكي يستفيد منها عابري السبيل في الطعام، والراحة تحت أغصانها.
ويُطالب المزارعون ووزارة الزراعة بالعودة إلى زراعة أشجار الجميز، والسدر (التمور) و"الشَموم" باللهجة الدارجة، للمحافظة على التراث الفلسطيني البيئي.
في حين يتحسّر المزارع خالد قديح على شجرات الجميز الثلاث التي جرفتها جرافات الاحتلال الإسرائيلي أثناء اجتياحها لأرضه الزراعية في بلدة خزاعة عام 2008م، والتي يفوق عمرها الـ 100عام.
ويقول قديح لـ"فلسطين": "حاولت أكثر من مرة تعويض خسارتي للجميز بزراعته مجددًا لكنّ التجربة لم تنجح".
ويتابع: "كنت في طفولتي مع إخوتي، وأهالي البلدة نأكل من ثمر الجميز، ونستفيد من أغصانها للتدفئة والطبخ، وكانت مزروعة على جانب الطرق الزراعية والرئيسة".
منع قطعها
من جهته يقول المهندس الزراعي محمد أبو عودة: "الجميز زراعته متفرقة، ولا يوجد بأعداد كبيرة في قطاع غزة، سوى بالأحراش، والمناطق التي يغلب عليها الطابع الريفي، وعلى أطراف الطرق، ولا يوجد استثمار لهذا النوع من النبات، لذا فهي من النباتات التي نخشى عليها من الاندثار".
ويُرجع أبو عودة في حديثه لـ"فلسطين" تقلُّص المساحات المزروعة بالجميز إلى الزحف العمراني بالدرجة الأولى، ومن ثمّ إحلال محاصيل أخرى لاستغلال أمثل لوحدة المساحة، وزراعة أشتال أكثر، ونتائج تسويقية أعلى.
ويشير إلى أنّ وزارة الزراعة تنتج أشتال شجرة الجميز في المشاتل التابعة لها، وتقوم بتوزيعها على المزارعين، كما تمنع قطع الأشجار المعمرة إلا بتصريح مُسبق منها.
ويلفت أبو عودة إلى أنّ الوزارة في زياراتها الميدانية لأراضي المزارعين، تُنبّه دائمًا للتنوع في الأشجار المُعمّرة والتي تقلّصت أعدادها كالصبر، والتمور، والجميز، وضرورة المحافظة عليها من الاندثار وإيجاد فرص تسويقية لها.
وتنتشر شجرة الجميز في مناطق غزة وأريحا والأغوار. وهي شجرة ضخمة دائمة الخضرة، تُفضّل المناطق الدافئة، تتحمل الجفاف، تحتاج إلى أمطار بمعدل 200 ملم في السنة.
فوائد صحية
ويحتوي "الجميز" على مواد وسكريات وفيتامينات هامة، ويعدُّ لبنه قاتلًا للجراثيم، ومسهلًا، ومليّنًا للمعدة والأمعاء، ومعقمًا للنزلات المعوية، ومخفضًا للوزن، ولنسبة الكولسترول، والسكر في الدم، ومقويًا ومنشطًا لجهاز المناعة بسبب وجود مادة الزنك فيه، وفق مقالة منشورة على موقع آفاق للبيئة والتنمية.
ويذكر الموقع أنّ الباحث الفلسطيني فايز أبو ميري، رحمه الله، توصل لنتائج علمية موثقة بأنّ شجر الجميز يُعدُّ ثروة نباتية لإقامة المراعي، ومحاربة ظاهرة التصحر والفقر.
ويُبيّن أنّ أبو ميري نقل نتائج بحوثه على الجميز إلى اتحاد الصحة الألماني في فرانكفورت، حيث وجد أنّ لبن هذه الثمرة يسيل منها عند قطف ثمارها وأوراقها وهو مفيد لعلاج مرض القوبة، وأيضًا لعلاج مرض البهاق، ويفيد أكل ثمارها كثيرًا في علاج الإمساك.
وشجرة الجميز مكان للهو الأولاد، يتسلقون أغصانها ويأكلون ثمارها ويقضون أوقاتهم في اللعب والتريُّض بجوارها، وهي من أكثر الأشجار إنتاجًا، فهي تطرح ثمارها سبع مرات في العام، وأحد أنواعها يُسمّى البوطي، وهو كبير الحجم وقاسٍ نوعًا ما، وطعمه غير مستساغ، ولكنه أفضل طعام للماشية، وأما البلمى فكان يُقدَّم للضيوف أيام ما قبل الهجرة في أطباقٍ من الخزف أو الزجاج، لذا أصبح الناس يزرعون شجرة الجميز أمام بيوتهم لتُذكّرهم دومًا بأراضيهم وقراهم الفلسطينية المُهجّرين منها.