فلسطين أون لاين

عن عملية تقوع وخيبات نتنياهو

العملية الفدائية، أمس الأحد، بالقرب من حاجز تقوع في الضفة المحتلة، التي أسفرت عن إصابة 3 مستوطنين بجراح أحداهما خطرة -بحسب قناة كان العبرية-، واضح أنها نتيجة عدة أسباب في مقدمتها اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، ومصادرة بيوت المقدسيين، وحملات الاعتقالات والمداهمات اليومية التي تشنها قوات الاحتلال وأجهزة أمن السلطة جنبًا إلى جنب في الضفة، لاجتثاث المقاومة، وإعادة السيطرة الأمنية، وفي الحقيقة أن الهدف الذي يسعى نتنياهو لتحقيقه هو مواصلة الاستيطان، إرضاء للائتلاف الحكومي المتطرف، وكبح جماح الاحتجاجات الشعبية ضده، وفي سبيل ذلك يحاول نتنياهو اللعب على أكثر من حبل للخروج من أزمته الداخلية، بهدف تصديرها إلى الخارج، لإنقاذ نفسه من تراجع شعبيته وحزبه "الليكود"، الذي يتزعمه، أمام تقدم غانتس وحزبه "أزرق-أبيض"، بحسب آخر استطلاعات الرأي الإسرائيلية.

فخوف نتنياهو الشديد من نجاح المعارضة لإسقاط حكومته اليمينية الائتلافية المتطرفة، يعني هذا إنهاء حياته السياسية بطريقة غير مشرفة بامتثاله للقضاء وغالبًا يكون مصيره السجن، بسبب قضايا الفساد والجرائم التي تلاحقه، على عكس ما كان يأمل، لكونه يعتبر أول أطول فترة حكم كرئيس وزراء للاحتلال، إذ إن محاولاته لتصدير أزماته بالحروب تارة وبالعمليات العسكرية في الضفة تارة أخرى، قد باءت جميعها بالفشل، ومن يَأسه يحاول الآن استفزاز جبهة جنوب لبنان بقصف مواقع للمقاومة وكان الرد اللبناني بمقدار حجم العدوان. 

اقرأ أيضًا: لا حلَّ إلا بالرحيل

اقرأ أيضًا: بدائل الاحتلال لعدواناته العسكرية غير الناجحة

نتنياهو الغارق في وحل القضاء أصبح يتخبط سياسيًا لعدم مقدرته على إحراز أي نصر يغيظ به المعارضة الإسرائيلية المتظاهرة على مدار أشهر عدة، لإسقاطه وحكومته المتطرفة، وهو الآن في وضع لا يحسد عليه، فقد سلك كل الطرق العسكرية دون جدوى، وجعل أمن الاحتلال على المحك، وأصبح لا يعرف أين سيضرب ومن ومتى وكيف؟ لكنه وجد أن كل جبهات المقاومة في انتظاره مستعدة بمقاوميها وبتجهيزاتها العسكرية، فقد فشل في حروبه التي خاضها على غزة ولم يجدِ حصارها نفعًا، ولم تشفع له طائراته ولا دفاعاته المتمثلة بـ"القبة الحديدية"، وكان هو وجنوده ومجتمعه ككل تحت طائلة صواريخ المقاومة في غزة حتى آخر لحظة في العدوان، كذلك فإن العمليات العسكرية التي خاضها في الضفة لم تشف غليل أطراف حكومته المتطرفة، ولا المعارضة الساخطة التي تخوض حراك احتجاجات الشارع الصهيوني، بدليل استمرارها في أثناء اجتياح مخيم جنين، الذي انتهى بهزيمة مدويّة لقواته، ولم يحقق أيًا مما كان يحلم به بالقضاء على المقاومة سوى إحداث الدمار في البنية التحتية وقتل المدنيين هناك، مما أوقعه في ارتكاب المزيد من المجازر، وقد عمق شرخ الانقسام الداخلي، فضلًا عن الضغوطات الدولية المتزايدة لوقف العدوان والكف عن انتهاك حقوق الإنسان، بل أحد أسباب انعكاسات التوتر الحاصل الآن ببن حكومة الاحتلال وإدارة الرئيس بايدن، فلم يجد نتنياهو إلا الجبهة الشمالية لتصدير أزماته، بعد يأسه من الجبهات الأخرى.

ومنذ تحدي حزب الله للاحتلال الأسبوع الماضي بنصبه خيمتين لمقاتليه في الجنوب اللبناني وهي مرتفعات شبعا اللبنانية الواقعة في المنطقة المسماة بـ"الخط الأزرق" على الحدود الشمالية مع فلسطين المحتلة، وأن إصرار حزب الله على بقاء خيمتَيه رسالة للاحتلال لاسترجاع هذه المنطقة المحتلة دون قيد أو شرط، وما تزال الأمور آخذة في التصعيد الإعلامي، على أثر التهديدات الكلامية من الطرفين على أعلى المستويات، وقد يتحول في أي لحظة إلى تصعيد عسكري، بسبب مماطلة حكومة الاحتلال في  حسم نقاط الخلاف حول الحدود البرية بين فلسطين المحتلة والشقيقة دولة لبنان، بتجاهل الاحتلال السيادة اللبنانية، بإنشائه السياج الفاصل، دون موافقة صاحبة الأرض، وعدم احترام القانون الدولي على رأسه اتفاقية جنيف عام 1949، الخاصة بعدم الاعتداء على أقاليم وأراضي الدول المجاورة أو احتلالها بالقوة.

لقد تغيرت معادلة القوة والعربدة التي كانت تعتمد عليها (إسرائيل) بعد أن اهتزت وتراجعت صورتها بفعل المقاومة في غزة والضفة وجنوب لبنان، التي ألحقت بها الهزائم، وأعطبت قوتها الردعيَّة مرة وإلى الأبد، ولعل عامل وحدة الساحات شاهد على فشل كل العدوان الصهيوني في المرحلة الأخيرة، فدخول الحرب أصبح يكلف الاحتلال خسارة متواصلة "للردع"، وليس ترميمه كما يتصور، بل قد تتطور من حرب محدودة إلى حرب مفتوحة متعددة الجبهات.

يبدو أن نتنياهو لم يستوعب درس "بأس جنين" وصمود المقاومة الأسطوري، التي أفشلت حملته العسكرية بما سمّاها بـ"البيت والحديقة"، وقد أخطأ الاعتقاد أن الإفراط في استعمال القوة سيرجع له "الردع" ويقضي على المقاومة، بل العكس ها هي تزداد قوتها ولهيبها، وما عملية حاجز تقوع إلا رسالة له ولحكومته المتطرفة، أن المقاومة مستمرة ما دام الاحتلال مستمرًا، وأن تصدير أزماته الداخلية ليس على حساب الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه، ومن بيته من زجاج لا يرجم الناس.