في خبر طريف نقلته صحيفة "مكور ريشون" الإسرائيلية، ورَدَ أن شركة المثلّجات الأميركية المعروفة "بن آند جيريس"، قد طالبت عشية ذكرى الاستقلال الأميركي الذي وافق الأسبوع الفائت، بإعادة الأراضي للسكان الأصليين، مؤكدة أن الولايات المتحدة بُنيت على أراضٍ مسروقة.
وكانت الشركة المملوكة ليهوديين أميركيين، قد أثارت قبل بضع سنوات، عاصفة إعلامية في (إسرائيل) عندما طالبت من فرعها في البلاد، بعدم تسويق منتجاته في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة، وهي قضية أشغلت المؤسسة والرأي العام الإسرائيلي لبضع الوقت، وانتهت بتسوية مع الفرع الإسرائيلي.
وبالعودة إلى الشأن الأميركي، فإن الشركة قد دعت إلى البدء بإعادة "جبل راشمور" الواقع في جنوب "داكوتا"، المحفور في صخره مجسمات أربعة رؤساء أميركيين، والذي يعتبر مكانا مقدسا لدى إحدى القبائل المحلية التي تعيش في المنطقة، أما المفارقة فهي قيام شخص يدعى دون ستيبوس الذي عرّف عن نفسه بأنه زعيم أحفاد إحدى القبائل الهندية التي سكنت في إقليم "فارموت"، بدعوة الشركة بأن تبدأ بنفسها، وتعيد الأرض التي تقوم عليها مبانيها لأصحابها من السكان الأصليين من أبناء قبائل الـ"أبناكي"، وقال لوسائل إعلام أميركية إن أبناء قبيلته على استعداد للتفاوض مع الشركة، حول إعادة الأراضي التي يقع عليها مقرها إلى أصحابها الشرعيين.
اقرأ أيضًا: هذه الملفات تزيد من خلافات الإسرائيليين الداخلية
اقرأ أيضًا: بن غفير يسخر من بايدن
الخبر ذكرني بهتاف كان يردده "اليسار" الإسرائيلي، خلال المظاهرات المناهضة للاحتلال، التي أصبحت اليوم ربما ذكرى جميلة من الماضي، كانوا يهتفون: "واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة فككوا كريات أربع"، فنكمل نحن العرب دعاة الدولة الواحدة باللغة العبرية: "أربعة، خمسة، سبعة، ثمانية فككوا كريات شمونة"، فينفجر غضبهم، بعد ملامسة التناقض الداخلي لدى هذا اليسار المزيف، الذي تجثم "كيبوتساته" فوق أراضي قرانا المهجرة داخل الخط الأخضر، ويفرح اليمين الذي يكتسب شرعية مستوطناته إسرائيليا من غياب شرعية تل أبيب، بصفتها تصبّ في مجمل المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.
وليس من قبيل الصدفة أن الصحيفة التي أوردت الخبر عن الشركة الأميركية هي صحيفة "مكور ريشون" التابعة لليمين الاستيطاني، الذي يضع كريات أربع وتل أبيب في الخانة نفسها، باعتبارهما مستوطنتين يحكمهما المبدأ نفسه، وتفصل بينهما مسافة زمنية فقط، (وهو قول حقّ أُريد به باطل)، وترى أن "المستوطنين الجدد"، هم مكملو درب المستوطنين الأوائل، وهم يستعملون الأساليب ذاتها التي استخدمت سابقا من سطو على الأرض، وإرهاب واقتلاع وتهجير، بل ويلوحون بارتكاب نكبة ثانية على غرار الأولى، كوسيلة لتهجير سكان الضفة الغربية من قراهم ومدنهم، والسيطرة على كامل فلسطين التاريخية.
وكان وزير المالية الفاشي بتسلئيل سموترتش، قد دعا قبل أربعة أشهر إلى محو قرية حوارة الفلسطينية عن وجه الأرض، بعد عمليات الحرق والتخريب التي ارتكبها المستوطنون هناك، موضحا أن العملية يجب ألا تترك لمواطنين، بل يفترض أن تتولاها الدولة ومؤسساتها، وهي دعوة انضم إليها قبل ثلاثة أسابيع الكولونيل احتياط، ورئيس الكلية الدينية العسكرية في مستوطنة "بيتار"، هغار لاو، عندما قال إنه قد آن الأوان، بأن نقوم بتدمير قرية أو مدينة فلسطينية، لكي يدركوا (الفلسطينيين) أن الاستمرار في هذه الطريق، ليس في صالحهم.
الكاتب كوبي نيف، الذي أورد أقوالهما في مقال نشرته "هآرتس"، أشار في السياق ذاته إلى جملة تصريحات لقادة ودعاة المستوطنين، تصبّ في هذا الاتجاه، بينها مقال للمحامي المتخصص في قضايا السطو على أراضي الفلسطينيين، دورون نير تسفي، نشره في جريدة "مكور ريشون"، والتي كان يرأس تحريرها حتى فترة قريبة، على حد قول الكاتب، الإرهابي السابق حغاي سيغل، وهو أحد أفراد "التنظيم الإرهابي اليهودي السري"، الذي نشط في الثمانينيات، ونفذ عملية اغتيال رؤساء بلديات، وحكم بالسجن ثلاث سنوات، قضى منها اثنتين، بعد تخفيض ثلث المدة، وهو والد المحلل السياسي في قناة 12، عميت سيغل.
المقال الذي جاء بعنوان: "الانتقام غريزة طبيعية لكنه مقصور على الدولة"، يفيد بأن التوراة تمجد أعمال الانتقام على قتل اليهود من قبل الأغيار، ويشير إلى أن عمليات الرد التي قامت بها (إسرائيل) في الخمسينيات، كانت أعمال انتقام بكل معنى الكلمة، وهو يعدد ويثني على بعض هذه العمليات مثل مجزرة قبية التي قامت خلالها وحدة 101 التابعة للجيش الإسرائيلي، بقيادة أريئيل شارون، بتفجير 45 بيتا، وقتل 60 فلسطينيا، كما يقول، في حين تشير المصادر الفلسطينية إلى استشهاد 69 شخصا بعد تفجير البيوت على رؤوس أصحابها، وإضافة إلى البيوت، جرى تفجير مدرسة ومسجد.
كما يشير نيف أيضا إلى ما كتبه هغار لاو في مقال نشرته "يسرائيل هيوم" تحت عنوان "اتركوا القيادة للجيش"، ودعا فيه إلى إسناد عمليات الرد والانتقام للجيش، منوها إلى ضرورة اللجوء للعقاب الجماعي أحيانا، مثلما فعل كل من "شمشون وليفي" في نابلس، ليحيلنا دون الخوض في التفاصيل إلى القصة التي وردت في كتاب "بريشيت".
وبالعودة إلى ملخص القصة الواردة في كتاب "بريشيت"، كما نقلها نيف في مقاله، فإن شمشون وليفي، قاما بعملية انتقام بشعة في نابلس، قُتل خلالها كل الذكور في المدينة، وسُبيت نساؤها، وخرِّبت بيوتها، وصودرت أغنامها وأبقارها. أما البروفيسور أشير كوهين، فقد لوح في مقال كتبه في صحيفة "يسرائيل هيوم" بنكبة ثانية، مذكّرا الفلسطينيين بالكيفية التي انتهت فيها ما تسمَّى، حرب الاستقلال الأولى عام 1948.
بالمحصلة النهائية، فإن حركة الاستيطان الصهيونية الاستعمارية، وإن غيرت جلدها وارتدت الثوب الديني عوضا عن العلماني، فإنها تتبع الأساليب القذرة نفسها، من قتل وحرق وترويع وتهجير وإبادة، والتي استعملتها العصابات الصهيونية قبل وخلال عام 1948، والتي ورثتها عن الحركات والدول الاستعمارية الكبرى، وهي تدرك أن السيطرة على هذه المساحة من الأرض على غرار الضفة الغربية، لن يتسنى لها، من دون عملية تهجير واسعة، لا بد من نكبة ثانية لتنفيذها.