بعدما انتهى الاحتلال من عدوانه على جنين، اتجهت أنظاره إلى الحدود الشمالية، حيث يقيم حزب الله عددًا من الخيام التي يعدها استفزازية، ما قد يستدعي من الاحتلال التصرف بكل طريقة ممكنة لإزالتها من خلال استخدام الخطوة السياسية ابتداءً، وإذا فشلت، فربما يلجأ لإزالتها ميدانياً، حتى لو على حساب خطر تدهور الصراع مع الحزب.
تعود القصة إلى منتصف يونيو، حين تحدثت الأوساط الإسرائيلية عن تشييد الحزب خيامًا على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق الحدودي مع لبنان، ما قد يثير نزاعًا معه، حيث لا يعترف بالخط الأزرق، ويعد أن المساحة جزء من لبنان، وعليه فإن إنشاء الخيام، وعدم إزالتها، يمنحان الحزب زيادة ثقة أمام الاحتلال في المدة الأخيرة، ما قد يدفعه لإزالتها، حتى لو شمل ذلك تحمّل المخاطر.
لكن الأحداث الاستثنائية في الأشهر الأخيرة شهدت عدة احتكاكات مع الحزب، أولها في حقل كاريش في 2022، وثانيها الهجوم على مفترق مجدّو حين اخترق مسلح فلسطيني الحدود الشمالية في مارس، وثالثها إطلاق الصواريخ في أبريل، ورابعها زيادة وجود الحزب على طول الحدود، وكل المعطيات تكشف عن استعداده لإنتاج الاحتكاك مع جيش الاحتلال.
اقرأ أيضًا: العدوان على مخيم جنين وقدر الفلسطينيين
اقرأ أيضًا: بين جنين والداخل المحتل.. مفاجآت يخشاها الاحتلال
وفق الرؤية الإسرائيلية، فإن دوافع الحزب لزيادة تحرّشه بالاحتلال مرتبطة بسوء فهمه بأن أزماته الداخلية أسفرت عن ضعف حكومته الحالية، وأنه لا توجد لديها مصلحة في هذا الوقت للشروع في حملة عسكرية ضده، في حين لا يحوز الحزب من جهته على المصلحة ذاتها، لكنه يفسر التطورات الجارية كفرصة له لتحسين "توازن الردع" تجاه الاحتلال، وتوسيع وجوده في جنوب لبنان على طول الحدود، ويثق بأن مصلحة الاحتلال تكمن باحتواء الأحداث، ومنع التدهور الواسع، وبالتالي لا يخاف من الاحتكاك به.
الاستنتاج من هذه الأحداث أننا بصدد تآكل ردع الاحتلال ضد الحزب، الذي تزداد جرأته أكثر من ذي قبل، ما يفسح المجال أمام دعوات للتصدي له، ومنع الاحتكاك معه، والحيلولة لحرمانه الثقة الذاتية المفرطة التي قد تؤدي للتصعيد، وسواء كان يتصرف بسبب ضائقة الوضع الصعب في لبنان، أو السعي لتبرير وجوده، فإن الاتجاه الذي يمضي به خطير، ويجب إيقافه، من وجهة النظر الإسرائيلية.
في الوقت ذاته، فالاحتلال مقتنع أنه في الظروف الناشئة حالياً، من المهم للغاية التصرف بكل طريقة ممكنة لإزالة خيام الحزب الحدودية، في ضوء الحاجة لوقف جهوده، وتوسيع وجوده على مقربة منه، لأنه يحاول أن يخلق تدريجياً حقيقة جديدة، وهذه المرة مع اختراق مجال الاحتلال، وهو موقف يصعب الموافقة عليه على المستوى الإستراتيجي، لأنه يعني مزيدًا من مظاهر تآكل الردع الإسرائيلي المتآكل أصلًا، رغم أن ذلك يتضمن إمكانيةً لنشوب مواجهة عسكرية يهرب الجانبان منها.