ليس سرًّا أن جيش الاحتلال بذل "أقصى" جهد لتحقيق "أكبر" نتيجة بـ"أقل" ثمن في عدوانه على جنين، لكن النتيجة النهائية أنه فشل وأخفق، والعملية التي شرع في تنفيذها في هذا المخيم الصامد لم تكن لها فرصة للنجاح، منذ بداياتها الأولى.
لقد انتهى العدوان المسمى "بيت وحديقة" مبكرًا، وبتكلفة زهيدة نسبيًا، وجاءت خلاصتها أنه في هذه العملية واسعة النطاق وقع الجيش في إخفاق هائل، رغم أنه بدا واضحا أن الجيش سعى لتحقيق أقصى نتيجة بأقل تكلفة؛ على الأصعدة السياسية والعسكرية، ومع ذلك فلم تكن النتيجة التي حصل عليها كافية، بدليل وقوع عملية تل أبيب في ذروة العدوان على جنين، وعملية مستوطنة كدوميم بعد ساعات فقط من انتهائه.
اليوم لا تستطيع حكومة الاحتلال أن تدّعي أنها نجحت باستهداف البنية التحتية للمقاومة في المخيم الذي وصفته بـ"عش الدبابير" أو "مملكة الرعب"، بل إن التوصيفات التي خرجت بعد انتهاء العدوان شبّهت اقتحام الاحتلال للمخيم مثل مصارع الثيران الذي رأى الثور يتجه نحوه، فتنحّوا جانباً في اللحظة الأخيرة، وتركوا الثور يركض فارغًا، حتى يحافظوا على أنفسهم سالمين!
اقرأ أيضًا:هُزم العدو الإسرائيلي في حارة الدَمَج
اقرأ أيضًا: ثمة إجماع إعلامي عبري على فشل العدوان
وكما جرت العادة، وبعد كل إخفاق يمنى به جيش الاحتلال أمام المقاومة، يتعمّد المراسلون العسكريون عدم توجيه الاتهامات له، واستبداله بالهجوم على المستوى السياسي بزعم خضوعه للضغوط الأمريكية، التي شكلت واحدة من الكوابح التي منعت الاحتلال من إطالة أمد العدوان، فضلا عن السبب الحقيقي المتمثل بشراسة المقاومة، وضراوتها.
صحيح أن جيش الاحتلال أعلن نيته القضاء على خلايا المقاومة، و"تطهير" المخيم منها، ويستعيد سيطرته عليه، ويفرض وجود السلطة الفلسطينية فيه، لكن رصداً لهذه الأهداف يؤكد أن أيّاً منها لم يتحقق، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، الذين وصلوا لقناعة مفادها أن تحقيقها يعني اجتياح عمق المخيم، وهذا يعني جباية أثمان بشرية باهظة من الجيش، الذي سعى حثيثاً لاستهداف المقاومين عن بعد من خلال الطائرات، وعدم الاشتباك معهم وجهاً لوجه.
في الوقت ذاته، فقد تيقّن الإسرائيليون أنهم بصدد إنهاء العدوان، اليوم أو غداً، لكنها لن تشكل نهاية الحرب على المقاومة، وسيبقون في رحلة معاناة لا تنتهي من ضرباتها، منذ عملية "السور الواقي" قبل أكثر من عشرين عاما، وما تغير منذ ذلك التاريخ سوى أسماء الحملات العسكرية، ليس أكثر، لكن المقاومة بقيت بذات الاسم، ولم تتغير، لأن القانون الطبيعي يتحدث أن كل احتلال لا بد له من مقاومة تواجهه، وتتصدّى له.