الاسم الرومنسي الذي اختاره الجيش الصهيوني لعدوانه على جنين لا يوحي أبدًا بالهمجية والوحشية التي يمارسها العدو في اجتياحه البربري للمخيم، ربما كان الاسم يوحي بأن جنين لقربها من قلب كيان العدو تعد الحديقة الخلفية لبيت لهذا الكيان، الأمر الذي يوجب عليه أن يُؤمِّنها كي يتسنى له العيش بهدوء، ولكن والحال هذه على العدو أن يعترف أن هذه الحديقة لم تكن يومًا آمنة أو يمكن للاحتلال أن يتفيأ ظلالها، ذلك أن جنين على مدار التاريخ المعاصر للشعب الفلسطيني كانت وقودًا للثورة الفلسطينية منذ ثورة الشيخ عز الدين القسام وحتى اليوم، والحديث يدور عن نحو مئة عام من الثورة، العدو الصهيوني يدفع اليوم بألف جندي مستخدمين أحدث الآليات العسكرية مدعومين بالطيران المروحي المسير والحربي وأحدث وسائل التكنولوجيا العسكرية، وذلك للسيطرة على مخيم مساحته نحو نصف كيلو متر مربع وعدد سكانه قرابة 27 ألف نسمة، وهذا الكم الهائل غير المتناسب من القوة العسكرية المفرطة التي يستخدمها العدو، وإن كان يريد من خلالها إظهار القوة وتحقيق حالة ردع كما يدعي، إلا أنها تشي بحالة من الرعب الشديد الذي يعتري هذا العدو.
فالخائف دائمًا يستخدم كل ما في يده من قوة وسلاح دون وعي ليشعر نفسه لا إراديًا بالأمن، وهذا الذي يحدث الآن في جنين بين المقاومين والعدو، حتى حالة تضخيم القدرة البسيطة للمقاومين الفلسطينيين الذين لا يتجاوز عددهم على أبعد تقدير نحو 100 إلى 150 مقاومًا في المخيم، والزعم بضبط مختبرات أسلحة وذخائر هي مهزلة.
اقرأ أيضًا: جنين واستمرار الجريمة
اقرأ أيضًا: دوافع وكوابح اقتحام الاحتلال لمخيم جنين
فالشباب الثائر في جنين لا يستخدم إلا بعض المواد الأولية البسيطة التي يضعها في بعض الأنابيب المعدنية البسيطة، محاولًا صناعة مواد متفجرة يقاوم بها كل هذه الترسانة العسكرية، فالادعاء أن وجود بعض هذه المواد في غرفة منزل تعد مختبرًا لتصنيع الأسلحة هو "مسخرة" يحاول جيش الاحتلال أن يداري بها العار الذي يجلل عسكريته المدعاة، فالعسكري الذي يحترم عسكريته يأبى عليه شرفه العسكري وتاريخه أن يستخدم سلاحه ضد عُزَّل أو يستخدم قوة هائلة في مواجهة شباب مدني يقاتل ببعض الوسائل البدائية ويتحدى هذه الترسانة العسكرية، وهذا ما يحاول العدو أن يداريه بإطلاق بعض المصطلحات التي من شأنها أن تجعل لعسكريته معنى، هذا إن اعتبرنا أن لهذا الجيش شرفًا عسكريًّا أصلًا بالنظر إلى تاريخه المكتوب بالعار.
ما يحدث في جنين هو نفسه الذي حدث في مناطق غزة تمامًا، وكأن هذا العدوان نسخة مكررة تمامًا عن تلك الممارسات التي مورست في مناطق قطاع غزة، فنبش الشوارع بالجرافات العسكرية خوفًا من العبوات الأرضية، وهدم جدران البيوت وفتح ثغرات بها ليتنقل من خلالها الجنود خوفًا من القناصة، واستهداف البيوت من الجو للقضاء على المقاومين المتحصنين فيها، كل ذلك حدث في غزة، لكن لم يُجدِ ذلك نفعًا ولم ينَل العدو من إجراءاته هذه إلا بث روح الجسارة والتحدي في نفوس المقاومين، التي انعكست في كل مرة على قوة أداء في الميدان واكتساب خبرة وتجربة، بعد ذلك تحررت غزة وأصبحت حرامًا على الاحتلال، وستكون جنين والضفة حرامًا على الاحتلال، وسينتهي هذا العدوان، ولكنه لن ينتهي كما انتهت عملية السور الواقي، لأن واقع اليوم يشير بوضوح إلى أن ما يحدث سيفضي إلى نفس النتائج التي انتهت إليها الأحداث في غزة نظرًا إلى تشابه بل تطابق المقدمات.
إذن سيبوء هذا العدوان بالفشل، وستبقى جنين وسيبقى الثوار في جنين وستبقى المقاومة تمتد وينحسر العدو بعد أن يستنفد كل إمكانياته حتى يعجز ولا يبقى لديه وسيلة تهديد أو إرهاب ليستر بها ذلك العجز ثم لا يجد أمامه إلا الانكفاء، ليبقى الثبات في الأرض للفلسطينيين والزوال والرحيل للاحتلال، هذه هي الحقيقة التي تؤكدها شواهد التاريخ والواقع الذي يجري على الأرض، وهي أن الفلسطيني هو الثابت والاحتلال هو المتغير الزائل.