تزامن شنّ الاحتلال لعدوانه على مخيم جنين، مع تزايد دعواته السياسية والإعلامية لتنفيذ العملية العسكرية المقصودة، دون أن تأتي على ذات الوتيرة، بل تباينت حول طبيعتها وفقًا لجملة من الخيارات.
أول هذه السيناريوهات تنفيذ "سور واقي 2"، وهو الأكثر تطرفًا في التحضير لتنفيذ نسخة جديدة من العدوان الذي شهدته الضفة قبل عشرين عامًا، وإعادة احتلالها، وبالرغم من أن هناك الكثير من الدوافع المهيأة له، لكن الواقع القائم في 2023 ليس هو ذاته في 2002، في أكثر من جانب، لعل أهمها واقع المقاومة اليوم المتركز في جنين ونابلس، بعكس ما كان الوضع في انتفاضة الأقصى التي عمّت كل أرجاء الضفة، ما أوجد في حينه تبريرات وذرائع وجدت قبولًا بين الإسرائيليين للذهاب لتلك العملية الواسعة.
ثاني هذه السيناريوهات استمرار عملية "كاسر الأمواج"، التي بدأت منذ مارس 2022 لمواجهة سلسلة الهجمات بالضفة، وتركزت بتنفيذ اعتقالات واغتيالات متلاحقة لاستئصال المقاومة، صحيح أنها أسهمت في بعض الأحيان بوقف "مؤقت" لها، لكنها لم توقفها بصورة نهائية، بدليل استئنافها في الأسابيع الأخيرة، وبصورة أكثر خطورة على الاحتلال، ولعل هذا السيناريو يبدو الأكثر تفضيلًا وترجيحًا لدى قيادتيه العسكرية والسياسية.
سيناريو ثالث يتمثل بزيادة العمل "الاستعراضي"، ويتركز في الاستمرار بذات السياسة القائمة حاليًا، مع تكثيفها وزيادتها، وإعطائها بعضًا من الجوانب الاستعراضية التي تصاحبها العمليات في وضح النهار، وأمام كاميرات التلفزة، بغرض توجيه رسائل دعائية: ردعية للفلسطينيين، وامتصاص غضب الاسرائيليين، ولا سيما بالاغتيالات عبر الجوّ، فضلًا عن أسبابها العملياتية، وهو سيناريو بدأ العمل به، وسيبقى كذلك، لكن ليس بصورة دائمة، كي لا تظهر الأراضي الفلسطينية خارجة عن سيطرة الاحتلال، كما هو الحال في غزة.
هناك سيناريو رابع يكمن بتكثيف الاستيطان، إذ تزامن تصاعد المقاومة مع صعود "حكومة المستوطنين"، ويستغل وزراؤها كل عملية فدائية للمسارعة لإقامة المزيد من البؤر الاستيطانية غير القانونية، ما قد يجعل من هذا الخيار مفضلًا لدى الحكومة للردّ على تزايد الهجمات المسلحة، بصورة تمتصّ غضب المستوطنين، وهو سيناريو سيبقى سائدًا عقب كل عملية مقاومة، برغم ما يستجلبه من ردود فعل دولية غاضبة، لكنه قد يحقق لحكومة الاحتلال هدوءًا داخليًا نسبيًا.
قد يبدو لافتًا ظهر سيناريو خامس يمزج بين السيناريوهات أعلاه، ولا يقتصر على سيناريو بعينه منفصلًا عن الأخرى الباقية، بل يدمج بينها، واختيار أساليب تتضمنها جميع السيناريوهات الواردة أعلاه، حسب كلّ حالة على حدة، ولعله السيناريو الأكثر ترجيحًا، ما لم تتطور المقاومة لمستويات أخطر، ولعل القيادة العسكرية ستضطر للعمل بموجب هذا السيناريو لتخفيف الضغط الممارس عليها من مرجعيتها السياسية.