للأسبوع الخامس والعشرين على التوالي، يخرج مئات آلاف الإسرائيليين للتظاهر ضد الانقلاب القضائي الذي تنفذه حكومة اليمين، مع مستجد لافت يتعلق باحتجاج في الاتجاه المعاكس هذه المرة ينطلق من أوساط الائتلاف ذاته الذين يتهمونه بعدم تحضير البيئة السياسية والحزبية لتنفيذ خطته القانونية الكفيلة بتغيير معالم الدولة.
بعد قرابة الأشهر الستة على انطلاق البرنامج القانوني للحكومة يتضح يومًا بعد يوم أنها ورئيسها نتنياهو يفاجؤون بإصرار واضح للمعارضين، يتزايد يومًا بعد يوم، وبدون خطة منظمة، تظهر الحكومة مستدرجة إلى ردود أفعال حتى وصل الوضع الإسرائيلي الداخلي لما يشبه انهيارًا حكوميًا وصولًا لحالة من الفوضى الكاملة، في ضوء القوة الهائلة التي تحصل عليها المعارضة من الأجسام والكيانات غير الحكومية والمنظمات الأهلية، فضلًا عن الدعم الخارجي.
ولأن الانقلاب القانوني المزمع من حكومة اليمين، الذي يتضمن تغييرًا في طريقة انتخاب القضاة، أو في صلاحيات المحكمة العليا، لا يشبه الإجراء التشريعي العادي، فقد كان متوقعًا أن يثير الاحتجاج والغضب لدى بقية الإسرائيليين، مقابل ما أظهرته المنظومة القضائية من قدرة فعالة وقوية على إحباط مثل هذه التغييرات القانونية، من خلال تصدر كبار القضاة السابقين للتظاهرات الاحتجاجية، مما دفع أقطاب حكومة اليمين لاتهامهم بأنهم يساريون علمانيون مدفوعون لإسقاط الحكومة، وليس بالضرورة الحفاظ على نزاهة القضاء فقط.
في الوقت ذاته، يبدو واضحًا أن المعارضة الإسرائيلية تستعين بعدد من مكونات المنظومة السياسية الداخلية، لإحباط انقلاب الحكومة القضائي، وعلى رأسها الجيش والشرطة، والقطاعين الأكاديمي والإعلامي، فضلًا عن العوامل الخارجية المتمثلة بالمنظومة الدولية الغربية تحديدًا، بجانب تجنيد معاهد بحثية وأكاديمية دأبت خلال الشهور الأخيرة على إجراء استطلاعات للرأي تظهر المزيد من معارضة الإسرائيليين للانقلاب القضائي.
كشف أداء المعارضة الاسرائيلية، الحزبية والأهلية، أن الائتلاف الحكومي، وبالرغم من حيازته لأغلبية برلمانية مستقرة، يبدو أقلية صغيرة مهددة بانفراط عقده في أي لحظة، لأنه وجد نفسه أمام آلة دعاية مهنية موجهة لم تترك أي هامش تقريبًا للحكومة، بل وأعدّت خطة إستراتيجية عامة تسعى لإسقاط الحكومة من خلال التذرع بإحباط الانقلاب الحكومي.
وأمام حيازة المعارضة للعديد من الأدوات المساعدة في الإعلام والأكاديميين والاقتصاد والقضاء، فمن الواضح أن باقي مؤسسات الدولة، وعلى رأسها النخب الأمنية والعسكرية، لا توافق على توجهات الحكومة الانقلابية، التي ظهر أنها تواجه صعوبة في حشد التأييد الواسع لها، مما جعلها معتمدة فقط على الأحزاب الدينية المتطرفة التي تروج لأجندة دينية ومعادية لليبرالية تثير الاشمئزاز والخوف بين شرائح الجمهور الإسرائيلي.