فلسطين أون لاين

جدلية الوطني والديني وتطورات المشهد الفلسطيني

يوجد تصنيف أصبح متعارفًا عليه في الساحة الفلسطينية، وتتعايش معه الفصائل الفلسطينية بكل رحب وسعة، إذ تُصنَّف الجماعة الوطنية بين ما هو إسلامي ويضم حركتي حماس والجهاد الإسلامي وحزب التحرير، وما هو وطني ويضم حركة فتح وفصائل اليسار الفلسطينية. ويطرح هذا التقسيم تساؤلاً: هل من هو إسلامي ليس وطنياً؟ وهل الأحزاب التي تصنف وطنية هي أحزاب كافرة بعيدة عن الإسلام؟

جميع تلك الفصائل لم تعترض على أن الإسلام هو دين الدولة، والفصائل الإسلامية هي رأس حربة المشروع الوطني، وبذلك فإن نعت الفصائل نفسها بالقوى الوطنية والإسلامية، هو تعزيز الانقسام الثقافي والفكري والوجداني، ويوظف الأيديولوجية الدينية والوطنية في خدمة أجندات حزبية، ما يضعف الحس الوطني والهدف التحرري الذي يتوافق عليه الجميع والذي يقوم على أساس تحقيق الهدف المنشود المتمثل بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة.

إن ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي من عدوان كبير على الشعب الفلسطيني وآخره استخدام الطائرات الحربية لقصف جنين واغتيال مجموعة من مقاوميها، وما قامت به مليشيات المستوطنين من حرق وتدنيس وإرهاب للمدنيين في المدن والقرى الفلسطينية وآخرها ترمسعيا، واقتحام المساجد وتمزيق المصاحف، ما هو إلا فرصة حقيقية لتجاوز حالة الانقسام نحو وحدة ميدانية وسياسية قائمة على مواجهة المشروع الصهيوني الذي انتقل من مرحلة إدارة الصراع إلى مرحلة حسم الصراع، وهذا يتطلب فلسطينياً أن ننتقل من مرحلة الانقسام والتباين واختلاف وجهات النظر حول إدارة الصراع عبر العملية السياسية أو عبر المقاومة، فإنه بات من الواجب الوطني العمل على مواجهة مخطط الحكومة الفاشية الصهيونية بحسم الصراع أن يقابله حسم التوجهات الفلسطينية بأن المسار الأمثل في ظل انسداد الأفق السياسي يتمثل في تبني المقاومة بكل أشكالها، وأن تعمل السلطة الفلسطينية على تغيير وظيفتها حتى تنهض بنفسها أولاً وبشعبها وبمكوناتها لتندمج مع الحالة السائدة في الأراضي الفلسطينية.

إن وجود حكومة نتنياهو الحالية يذكرنا نحن الفلسطينيين بحقبة دونالد ترامب، ونقاط الالتقاء بينهما هو ظهور الوجه الحقيقي لسياساتهما تجاه القضية الفلسطينية، وعليه في تقديري أن وضوح الأهداف والتوجهات للحكومة الصهيونية مهم لنا نحن الفلسطينيين ويسهل علينا حسم خياراتنا وأفضل الخيارات التي من الممكن مواجهة فاشية الاحتلال ما يأتي:

1. حصر عنوان الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال بكل الوسائل والسبل وهذا أسهل وأقصر الطرق لإنهاء الانقسام لكونه يعيد البوصلة إلى مسارها الصحيح ويحيد جماعات المصالح.

2. لا بد من مشاركة الشعب الفلسطيني بكامله في مواجهة الاحتلال وهذا يتطلب تبني كل أشكال المقاومة، لكون السلاح وحده قد لا يكون متوفراً لدى ملايين الفلسطينيين، أو يؤمن بخياره الجميع.

3. لا بد من البناء على ما قامت به جنين مؤخراً بحيث بات ملحوظاً أن تطوراً في أداء المقاومة قد حصل، وهذا من شأنه أن يعيد لذاكرتنا كيف تطورت المقاومة في قطاع غزة منذ البدايات إلى الآن، وهي تجربة جديرة بالاهتمام.

4. لا بد من فضح الاحتلال ومقاضاته في المحاكم الدولية على جرائم القتل والاستيطان والتمييز العنصري والحصار والتهويد، وأن يتم توظيف طاقات شعبنا الفلسطيني في الشتات وفي داخل الخط الأخضر، وصولاً إلى حالة استنزاف عالمي للاحتلال ولمشروعه الصهيوني.

الخلاصة: عملية عيلي أحدثت إرباكًا في حسابات المستوطنين، كما هو الحال مع بقية عمليات المقاومة ذات الطابع المنظم أو الفردي، وعبوة جنين الناسفة زادت من تكلفة التوغلات والاقتحامات، وربما لو ذهب شاب بسلاحه لنصب كمينًا لمليشيات المستوطنين المتوغلة في قرى الضفة وأطلق النار عليهم فهذا قد يصنع كي وعي لدى المستوطنين، وخصوصاً جيل الشباب منهم ممن لم يسعفه عمره لمتابعة بطولات المقاومة على الطرق الالتفافية وفي قلب المستوطنات مع اندلاع انتفاضة الأقصى وما قبلها.