تزامنًا مع التحديات الأمنية التي تواجهها دولة الاحتلال، فإن التهديدات الداخلية ما زالت تتصاعد، وآخرها المخاوف المتزايدة من هجرة العلماء وخبراء الهايتك والتكنولوجيا الفائقة إلى الخارج، ما سيترك تبعاته السلبية على تعثّر الاقتصاد، وتراجعه، وصولًا لتأثر إجمالي الناتج المحلي الذي سيصاب بتأثيرات لا تخطئها العين بسبب العلماء الذين يغادرون دولة الاحتلال، المعروفة بالابتكار والبحث، والدعم الحكومي الكبير الموجّه نحو التطوير.
في الوقت ذاته، فلا تزال دولة الاحتلال تفشل في التعامل بفعالية مع ظاهرة أن جزءًا كبيرًا من علمائها الذين يذهبون للحصول على درجة الدكتوراه في الخارج، اختاروا عدم العودة إليها، في ضوء أن الواقع الحالي يظهر انخفاضًا في الاستثمارات، وتسريح العمال في مجال التكنولوجيا العالية، والشعور بعدم الاستقرار، باعتباره عاملًا آخر غير مشجع لقرار عدم البقاء فيها.
ولأن عدد المناصب الأكاديمية في المؤسسات التعليمية الإسرائيلية محدودة، فإن فرص عودة العلماء للاندماج بنظام التعليم العالي ضئيلة للغاية، مقابل ما يتلقاه عدد غير قليل منهم من عروض مغرية، من الناحيتين المهنية والمالية، من المؤسسات البحثية وهيئات البحث والتطوير في الخارج.
وبالرغم من أن فرص العمل في القطاع الصناعي أكبر من نظيره الأكاديمي، لكن المخزون لا يزال مقتصرًا على من يعودون لدولة الاحتلال بعد مرحلة ما بعد الدكتوراه البحثية، فإن الشركات تبحث أساسًا عن "المواهب" ذات الخبرة الإدارية، والإلمام بالسوق العالمي، والقدرة المؤكدة على تعزيز القدرة التنافسية الدولية، والتأكيد على أن معظم العلماء مهتمون بالعودة بعد فترة التدريب في الخارج، حتى لو بعد سنوات، لكنهم ينجذبون للأجواء المبتكرة والريادية والديناميكية للبيئة العلمية في الخارج، الذي يحتوي على باحثين من الدرجة الأولى.
تشكل هذه المعطيات فرصةً لطرح السؤال الإسرائيلي: لماذا يجب أن يكون هذا مصدر قلق؟ بالرغم من وجود عددٍ كافٍ من العلماء ورجال الأعمال والصناعة القوية التي سمحت للاحتلال بالازدهار، وأن يصبح دولة ناشئة صاعدة، لكن الوضع الحالي غير مرضٍ، وليس من الواضح أنه مستدام، وبالتالي فإن فقدان العقول العلمية والأدمغة التقنية يقلق جميع الإسرائيليين، ولا سيما رواد الأوساط الأكاديمية والاقتصادية، لأن الدولة استثمرت سنوات في التدريب الجيد لرأس المال البشري، ويجب أن ترى عودته إليها مصلحة وطنية من الدرجة الأولى.
ما قد يعزز المخاوف الإسرائيلية أن الخسارة التي لحقت باقتصادها فادحة، إذ تُظهر المعطيات الإحصائية أنه فيما يتعلق بمتوسط عدد العلماء العائدين كل عام، وبيانات اندماجهم في سوق العمل الإسرائيلي، أن دولة الاحتلال تفقد كل عام ناتج محلي إجمالي محتمل مستقبلي بقيمة 2.4 مليار شيكل بسبب عدم عودة العلماء، ما يكشف عن فشل السوق الذي لا يتعامل مع هذه الظاهرة بطريقة شاملة، ولا يوفر الميزانية والاحتياجات اللازمة لتشجيعهم على العودة.