مرة أخرى تتصدر جنين عنوان الملاحم البطولية الفلسطينية الأخبار وتعود الى صدر الأحداث رغم جراحها النازف ورغم التطورات المتواترة وما شهدته من تصعيد للاحتلال باعتماد الأباتشي ومقاتلات الاف 16 في قصف الأهالي الفلسطينيين الذين أثاروا مجددا حفيظة الاحتلال بعد ان نجحوا في تكبيده خسائر غير متوقعة تعطيل عرباته العسكرية المصفحة بزرع المتفجرات التي فاجأت قوات الاحتلال المدعومة بقطعان المستوطنين المسلحين الذين انضموا إليهم لحرق بيوت ومزارع وعربات الفلسطينيين في حرب غير متوازنة لا يمكن أن يتساوى فيها الضحية والجلاد …
جنين تنتفض والضفة تشتعل وتوجه للاحتلال وللعالم رسالة لا تقبل أكثر من تأويل وهي أن الشعب الفلسطيني وجد ليبقى وأن جنين بخير وتواصل التنفس برغم آلامها وما تتعرض له من عدوان آثم وهي تصر على مواصلة المقاومة بما توفر لها من إمكانيات هي صغيرة في حسابات العدو ولكنها كبيرة عند أهالي جنين الذين يصنعون المفاجآت ويربكون الاحتلال ويدفعونه الى الاستنفار تحسبا لما يمكن أن تصنعه مخططات هذا الجيل الجديد القادم من فلسطين …
المتأمل في الصحف العبرية وتعاطيها مع ما يحدث في جنين يدرك جيدا حجم المخاوف مما يمكن أن تؤول إليه مقاومة هذا الجيل الصاعد على أرض فلسطين الذي لم يغادر جنين أو الضفة إلا لينتقل الى سجون الاحتلال قبل أن يكتب له مغادرتها …
جنين والتي طالما وصفت بجنينغراد حيث كان الجيش الإسرائيلي يغارد في كل مرة وهو يجر أذيال الخيبة ويفشل في استباق الأحداث أو الكشف عن شبكات المقاومة التي تخرج في كل مرة من رماد جنين لتنتفض مجددا في وجه المحتل وتعيد خلط الأوراق والتأكيد مجددا على حقيقة يرفض الاحتلال كما ترفض كل القوى المتحالفة معه الاعتراف بها وهي أنه مهما كانت ترسانة الكيان الإسرائيلي ومهما بلغ من التفوق العسكري فان كل ما يتوفر له من قوة عسكرية لن يمنحه الأمان طالما استمر ظلم الاحتلال وهي مسألة لا نخالها تحتاج لذكاء خارق فقد كانت ولاتزال عناوين التاريخ ودروسه الكبرى تؤكد على أنه لا وجود لشعب على هذه الأرض يمكن أن يقبل بالاحتلال الى ما لا نهاية وأنه مهما كان ضعف وهشاشة الشعب الخاضع للاحتلال فإنه سيجد ما يمكن أن يحول ضعفه الى قوة ويمنحه ولو بعد حين القدرة على تنظيم صفوفه وعزائمه وإمكانياته للدفاع عن حقه في الحياة والحرية.. هذه هي الحقيقة المتوارثة منذ وجود أب البشرية ومن خلفه على هذه الأرض.. كل شعوب العالم التي ابتليت بالاحتلال عانت وتحملت ثم انتفضت وصارعت الاحتلال بما توفر لديها وكل الشعوب التي تحررت دفعت ثمنا باهظا لتحقيق هذا الهدف.. قد يتأخر تحقيق هذا الهدف للشعب الفلسطيني ليس لضعف إرادة أو لغياب الأهداف ولكن وهذا ما يتعين استحضاره لان الشعب الفلسطيني لا يواجه سلطة الاحتلال وحده ولكنه يواجه كل العالم الذي خذله وتحالف ضده ولو أن ما تعرض له الفلسطينيون على مدى قرن من الزمن تعرض له غيره من شعوب العالم لكان أبيد من الوجود.. ما حدث ويحدث في رام الله والضفة وحوارة وجنين الخليل والقدس وغيرها أيضا محطات متقطعة في مسيرة النضال الشعبي الفلسطيني الذي لا يمكن لكل القوى في العالم اجتثاثه واستئصاله، ومهما كانت نتيجة الحرب المفتوحة اليوم ضد الفلسطينية في الضفة الغربية فإنها ستبقى حلقة إضافية من حلقات التحرر الذي لن يتوقف مهما كانت القيود لسبب بسيط و لكنه مهم وهو أن العالم كله يقف اليوم أمام جيل فلسطيني جديد ولد من أحضان انتفاضة الأقصى وهو جيل لم ينتم للحركات الفلسطينية ولم يتدرب على السلاح ولكنه ارتوى من ماء فلسطين وهوائها وكبر ونشأ على مظاهر الظلم والعدوان وكان شاهدا على قتل وأسر شباب من جيله وربما من غير جيله وعرف معاني الحرمان والتشرد وانعدام الأمان وأدرك أن السبب الأساسي وراء كل المعاناة التي تتعرض لها العائلات الفلسطينية داخل وخارج الخط الأخضر في المخيمات والملاجئ هو الاحتلال الظالم الذي يحاول تركيعه كما حاول من قبل تركيع الأجيال السابقة ولكنه كان يخسر الرهان في كل مرة و يفشل في إطفاء الإرادة المتوارثة لدى الفلسطينيين ..
مخطئ من يعتقد أن الآلة العسكرية للاحتلال يمكن أن تقتلع روح المقاومة من هذا الجيل الكافر بالانقسام والتناحر وبكل الحركات والرايات وهو الذي جعل له راية واحدة لا يستعيض عنها بأي راية وهي راية فلسطين وحدها.. قدر الفلسطينيين في الضفة والقطاع مواصلة الملحمة النضالية ما استوجب الأمر ذلك فالزمن ليس زمن التعويل أو انتظار أي دعم من أي كان ولا شك أن هذا الجيل الجديد في جنين بدأ يدرك هذا الأمر لذلك نقول جنين بخير وتقرؤكم السلام ..
المصدر / رأي اليوم