فلسطين أون لاين

لم يُعرّوا سنديانات فلسطين.. بل كانوا يُعَرّون أنفسهم ويكشفون للعالم قُبحهم

صادمة ومذلة ومهينة تلك الشهادات التي قدمتها خمسٌ من نساء فلسطين بكثير من الشجاعة والصلابة لمنظمة بتسيلم الإسرائيلية إزاء ما تعرضن له في الخليل قبل أيام على يد مجندات إسرائيليات تعمدن تجريدهن من ملابسهن، وإخضاعهن للتفتيش تحت تهديد السلاح والكلاب التي كانت تتأهب للهجوم عليهن. وهي شهادة تحسب لهن، وتأتي لتكسر الصمت وتتحدى المحرمات وتنتصر لإنسانية وكرامة المرأة الفلسطينية في مجتمع كان ولا يزال يعد مسألة العرض من المسائل التي لا تقبل المس بها.

قبل التوقف عند تفاصيل ما حدث لا بد من التأكيد أنه سيكون من الخطأ عدّ أن ما حدث للفلسطينيات يمكن أن يسيء لهن في شيء، بل الأكيد أن من يعتقدون أنهم أقدموا على تعرية ماجدات فلسطينيات إنما كانوا يعرون أنفسهم، ويكشفون للعالم قبح صنيعهم، وسوء أفعالهم، ودناءة عقيدتهم، ووقاحتهم وعبثهم بكل القوانين والأعراف والقيم الإنسانية المشتركة التي تعودوا على الاستخفاف بها، لسبب بسيط، ولكنه مهم، وهو القناعة بأنه لا عقاب ينتظرهم.

وقد كان لزاما التوضيح أن الجريمة كغيرها مرت في صمت رهيب، ولم تجد لها أدنى اهتمام لولا تقرير منظمة بتسيلم الإسرائيلية اليسارية المعروفة بمواقفها الرافضة لجرائم وانتهاكات الاحتلال، التي يبدو أنها كانت وراء البيان اليتيم الصادر عن منظمة التعاون الإسلامي التي نددت بالجريمة المروعة، وعدّت ما حدث للنساء الفلسطينيات خطًا أحمر. هي بالتأكيد جريمة مزدوجة موثقة في حق نساء فلسطين، ولكن أيضا في حق نساء العالم وفي حق كل من يقدن الحملات الدعائية والمعارك النضالية ضد العنف الذي يمارس في حق المرأة، والأكيد أن تعمد تعرية امرأة بتلك الطريقة الاستفزازية في مجتمع محافظ، أو أي مجتمع كان، يعكس عقلية موبوءة منفلتة تقودها العنصرية والنقمة والرغبة في إذلال المرأة الفلسطينية السنديانة، التي كانت ولا تزال تتقدم الملاحم النضالية، وتقدم بيدٍ التضحيات من أجل القضية، وتحمل باليد الأخرى فلذة كبدها شهيدًا، وهي الصورة التي لا نخال أن جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يمكن أن تفهمها أو تدرك مغزاها.

اقرأ أيضًا: لا يا رجال الخليل المشهد خسارة صافية

اقرأ أيضًا: مجتمع فلسطين: نساؤنا خط أحمر

صحيح أن ما يمارسه الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني من اغتيال ممنهج، وتدمير للبيوت، وتوسيع للمستوطنات، وتهجير للعباد، وتدنيس للمقدسات، ليس استثناء، بل ممارسة يومية في إطار العقلية العنصرية الإرهابية التي يتبناها الكيان الإسرائيلي منذ قيامه، وهي عقلية لا تميز بين طفل أو شيخ أو امرأة. من هذا المنطلق فإن الجريمة التي حملت توقيع مجندتين إسرائيليتين ضمن ما يعرف بالجيش الأكثر أخلاقا في العالم، وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك، مسألة تنزع ما بقي من ورق التوت التي يتوارى خلفها الاحتلال الإسرائيلي وحكوماته المتطرفة. وعندما تُعرى نساء فلسطين ويخضعن للتفتيش في بيوتهن أمام أنظار أبنائهن وإخوتهن المذعورين من السلاح والكلاب المدربة ففي ذلك شهادة على أن جيش الاحتلال الإسرائيلي بلغ درجة من التوحش والإرهاب تجاوزت كل التوقعات. والأكيد أن ما حدث يأتي أيضا في إطار عقلية إسرائيلية لا تخفى على مراقب عقيدتها العنصرية والترهيب والعنف، ولكنها في المقابل لا تجد إدانة أو رفضا أو محاسبة أو ملاحقة.

 العنف ضد المرأة مهما كانت جنسيتها أو دينها أو هويتها أو لونها أو انتماؤها مرفوض ومدان في كل القوانين الدولية، ولكن عندما يتعلق الأمر بما تتعرض له المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال من عنف مادي ومعنوي، وإذلال وتنكيل، تتوارى كل المنظمات الحقوقية والإنسانية، وتخفت الأصوات، وتغيب عن الأحداث. المثير أن الجريمة أوردتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي خلصت إلى أن مجنّدَتين إسرائيليّتَين مسلّحتَين كانتا ضمن دورية عسكرية ومعهما كلب مهاجم، أجبرتا 5 سيدات فلسطينيات من عائلة في مدينة الخليل على السير عاريات، وهدّدتا بإطلاق الكلب نحوهنَّ إذا لم يُطِعن الأوامر. والمصدر ذاته كشف أن الجنود سرقوا من المنازل مجوهرات ثمينة وأموالا، والمثير أنه في اليوم نفسه، قدم أهل البيت شكوى للشرطة الإسرائيلية في “كريات أربع”، وفي اليوم التالي، أمكن استعادة ما سرقه الجنود؛ معللين أنها أُخذت بالخطأ. لا خلاف أن دخول منظمة بتسيلم الإسرائيلية على الخط لنقل شهادات الفلسطينيات رفع الغطاء، وكشف المستور عن وجه آخر للاحتلال كان حتى هذه المرحلة غائبا عن الإعلام وعن المنظمات الحقوقية والإنسانية التي يبدو أنها ليست على وعي بما تتعرض له نساء فلسطين تحت الاحتلال في المعتقلات والسجون، وفي كل شبر من الأرض المحتلة من اغتيالات وملاحقات وتضييق في حياتهن اليومية، وهي جرائم تندرج ضمن جرائم الحرب.

المصدر / رأي اليوم