من أجمل الأمور وأصعبها في نفس الوقت هو بناء حياة جديدة مليئة بالمسؤوليات والمتطلبات يغلفها الحب والتفاهم والمشاركة. البعض يتخوف من هذا البناء ظناً منه أنه لا يستطيع, والبعض يقدم على البناء دون اكتراث بالنجاح أو الإخفاق, ودون التسلح بالاستراتيجيات اللازمة للتعامل مع المتغيرات الجديدة في حياته. بينما قلة قليلة التي تبدأ حياتها بابتسامة مشرقة ورؤية واضحة للمسؤولية التي بانتظارها وتكون لديها همة عالية للمضي وتحقيق النجاح في بناء حياة زوجية ناجحة ملؤها السعادة والتفاهم.
عندما ترتبط الأنثى تكون مقبلة بكل حواسها على الحياة الجديدة, ويكون الهدف الرئيسي لديها النجاح وتحقيق السعادة, حتى إن ضلت الطريق الصحيح أحياناً. حيث تشرع منذ اليوم الأول بالاندماج والمشاركة وتقاسم الحياة بكل تفاصيلها مع الشريك, فهي تؤمن بأن الزواج ما هو إلا انتقال من المسؤولية الفردية إلى الجماعية, ومن التفرد إلى المشاركة. بينما ينتقل كثير من الرجال من مرحلة العزوبية إلى الزواج وهم يحملون في حقائبهم أفكار العزاب وتصرفاتهم ويشرعون بتطبيقها في حياتهم الزوجية فتبدأ المشاحنات والمشاجرات ثم يستغربون إخفاقهم في تحقيق السكينة والاستقرار.
على الرجل أن يعي أنه بمجرد الاقتران بزوجته فقد انتهت حريته وممارساته الفردية, حيث يعلن بتوقيعه على عقد الزواج شراكة امرأة في حياته, وهذا لا يلغي حريته كزوج, ولا مساحة انفراده بنفسه, أو اجتماعه بأهله وأصدقائه, لكن بحدود المطلوب والمعقول, فلا يعقل أن يقضي الرجل جل وقته بين أهله وأصدقائه مخلفاً وراءه زوجة تعاني الوحدة والإهمال, وبالتالي تتصدع علاقته بها وينهار البنيان الذي يشكل الركيزة الأساسية لنجاحه في الحياة بشكل عام.
إن لم يجعل الزوج الأولوية لحياته الزوجية فإنه لن ينجح في أي علاقة أخرى لا على صعيد الأهل ولا الأصدقاء ولا العمل, فالرجل غير المستقر في بيته مع زوجه لن يصنع علاقة جيدة مع أحد. ويظن المعظم أن إعطاء الأولوية للعلاقة الزوجية يعني التخلي عن الأهل والأصدقاء أو انتقاصاً للرجولة والقوة وفقداناً للقوامة والسيطرة، ويغفل أن الزوج الناجح يستطيع أن يقوم بحقوق الجميع دون المرور بقنطرة الإساءة للزوجة أو إهمالها.
يحاول العديد من الرجال ممارسة دور الزوج في قالب الأعزب, ولعل أسوأ الممارسات التي يقوم بها هي إطلاع الأهل والأصدقاء على المشكلات الزوجية بما في ذلك العلاقة الخاصة فيرتكب الكبيرة بجهالة لا يرده عنها سوى العقلاء إن وُجدوا، ولا يجد حلولاً لمشكلاته في الغالب، فالجميع سيشخصن المشكلة. بالإضافة إلى ذلك يخرج برفقة أصدقائه وقتما شاء, ويبقى خارج المنزل لساعات متأخرة, ويتحكم في ميزانية الأسرة بشكل متفرد، وقد يمتد الأمر لفرض سيطرة ظالمة على زوجته في كل مناحي الحياة، كنوعٍ من الممارسات الذكورية التي تعكس قلة الوعي والإدراك وعدم النضج العقلي الفكري.
حتى وقته داخل المنزل قد يقضي جله برفقه هاتفه يتواصل مع المعروف والمجهول ولا يراعي شريكة حياته، بل يتوقع منها أن تتكيف مع ممارساته التي يعتبرها مصدر قوته ورجولته متناسياً أنه بذلك يعلن فشله الذريع في مشرع الشراكة الذي وقع عقد الملزم مع زوجته.
إن من أسوأ الأفكار التي ينشأ عليها الأعزب حول العالم هي الاتكالية والاعتماد على الآخر سواء في الخدمة أو التمويل أو الدعم العاطفي, وكثيراً ما نلاحظ تطبيقه لهذه الأفكار بعد الزواج, حيث يعتبر الزوجة خادمة وممولة في نفس الوقت دون أن يشعر بقبح استغلاله المادي والفسيولوجي لها, وتؤكد الإحصائيات العالمية أن امرأة من بين سبع نساء في العالم عرضة لاستغلال الزوج إن كان من الناحية المادية والعاطفية أو الفسيولوجية. وتعتبر هذه الممارسات سمة من سمات الأعزب التي لا يتوقف عن ممارستها بعد الزواج.
يتطلب نجاح العلاقة الزوجية من الزوجين الإيمان بأن العلاقة بينهما هي صاحبة الأولوية والاهتمام الأكبر, وعليهما التخلي عن الفكر المنفرد الذي يعتنقه العزاب, وتطبيق مبدأ الشراكة في كل شيء, ومعرفة كل منهما لحقوقه وواجباته نحو الآخر, واحترام كل منهما لحرية وخصوصية الآخر في التفكير والانفراد بالذات والعلاقات بالأهل والأصدقاء.