تتابع المحافل العسكرية الإسرائيلية بصورة حثيثة تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وما تصفه بإخفاقات متلاحقة تطارد الجيش الأحمر في شوارع كييف، ما يدفع جيش الاحتلال لاستخلاص المزيد من الدروس التي يتعلمها، ويحاول تلافي تلك الإخفاقات في المواجهات العسكرية المرتقبة للاحتلال مع الجبهات المشتعلة من حوله في المنطقة.
لعل الدرس الإسرائيلي الأول من القتال الروسي الأوكراني المحتدم في الأيام الأخيرة، وقد وصلت ذروته في تفجير السدّ المائي، يتعلق بضرورة الاكتشاف السريع للأهداف قبل القتال وفي أثنائه، وتدميرها بالجملة بنيران دقيقة، سواء من الجو أو من خلال النيران الأرضية والحرب السيبرانية، والهدف هو تقصير مدة القتال؛ لتقليل حجم الخسائر والأضرار المادية على الجبهة الداخلية.
الدرس الإسرائيلي الثاني يتمثل في الاستعداد لمواجهة عسكرية متوقعة، وقد تكون مستبعدة، في عدة ساحات وجبهات قتالية ضد عدة دول عربية ومنظمات عصابية، مع تكرار هذا السيناريو في حروب 48، و67، و73، لكن التركيز هذه المرة ينصبّ على تعدد المجالات بسبب النيران التي ستسقط على العمق الإسرائيلي من الجبهة الشمالية في لبنان، والشمالية الشرقية في سوريا والعراق، ومن الجنوب مع قطاع غزة.
درس إسرائيلي ثالث يرتبط بالسيناريو الذي خاضته قوات الاحتلال ضمن مناورة "اللكمة القاضية"، بالقدرة على امتصاص الضربات المحتملة على الجبهات المحيطة بالاحتلال، وتحديدا على المستوطنات المتاخمة للجدار الحدودي مع لبنان وغزة، حيث ستركّز ضرباتها على مدن حيفا وتل أبيب وبئر السبع، وربما إيلات، بجانب تقصير وقت تلقي الجبهة الداخلية قدر الإمكان لوابل الصواريخ والطائرات دون طيار الانتحارية، وهذا هو معنى الحرب متعددة الجبهات.
لا يخفي الإسرائيليون درسهم الرابع من تطورات الحرب المفاجئة من القتال الأوكراني الروسي الجاري، وهم يرون جيشا نظاميا كبيرا، بأعمدة مدرّعة متقدمة، وبقبضات كبيرة، مع الكثير من النيران، في حين يقاتل الأوكرانيون بطريقة لا مركزية، وقوات صغيرة تستخدم الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، وبطاريات مدفعية صغيرة ضد الأعمدة الطويلة والكبيرة من الجيش الروسي، ولعل قتالهم اللامركزي هذا القائم على دافع قوي لمقاتليهم أوقف تقدم الروس، وفرض عليهم أثمانًا بالدم والأسلحة الحربية المدمرة.
لا يريد الاحتلال الاقتراب من الدرس الخامس المتمثل بتكبّد الأوكرانيين لخسائر فادحة، وقتل مائة ألف من مقاتليهم، لكن قتالهم "الموزّع" في الوقت ذاته أبطأ الروس، وأجبرهم على التراجع، وهذا المشهد قد يتكرر، في حين سيتعرض له جيش الاحتلال على الأراضي الفلسطينية واللبنانية، وهم لا يريدون أن يكون مصيرهم كمصير نظيره الروسي في أوكرانيا.
دروس خمسة من الحرب الأوكرانية الروسية، وقد يكون لها سادس وسابع، تشعل كلها الأضواء الحمراء في مقر قيادة هيئة أركان جيش الاحتلال عند اندلاع واحدة من الجبهات المرشحة للاشتعال في أي لحظة.