فلسطين أون لاين

ما أحوجنا اليوم لروح وشموخ ثورة البراق

 

شهد العالم في الحقبة الممتدة بين بواكير القرن العشرين الماضي وحتى عقوده الأخيرة امتدادات لحقب استعمارية متعددة سادت فيها بضع دول كبرى فرضت هيمنتها على غيرها وكانت الحربان العالميتان الأولى والثانية بعضاً من نتاجها وعانت بسببها دول وشعوب كثيرة وقعت تحت هيمنتها، وأدت غالبيتها العظمى إلى انتفاضات وثورات شعبية وجماهيرية قادت إلى انكفاء معظم تلك القوى الاستعمارية وانحسارها ورحيلها عن كاهل تلك الشعوب التي تمكنت غالبيتها من انتزاع حرياتها وتحقيق استقلالها وفرض سيادتها على أراضيها وإدارة شؤونها، وأن تمسك بأيديها مقاليد أمورها وصناعة مستقبلها، الأمر الذي حاولت معه بعض تلك القوى والدول الاستعمارية أن تتشبث بأطماعها وتبقيَ على سطوتها وسيطرتها على مقدرات تلك الشعوب في أوطانها من خلال تجميل استعمارها بصورة أو بأخرى وما تزال. فهيمنت بريطانيا العظمى وفرنسا على معظم أرجاء وطننا العربي وفرضتا انتدابهما عليه واقتسمتا كل مساحته بينهما، فكان ما سمي بالانتداب البريطاني على فلسطين ومصر والعراق وبلاد الشام والفرنسي على تونس والمغرب والجزائر ولبنان وغيرها. والأمر الذي انبعثت نتيجتَهُ انتفاضاتٌ وثوراتٌ شعبيةٌ وجماهيريةٌ عارمة، نالت بها حريتَها واستقلالَها وفرضت فيها سيادتَها على اراضيها .

وهكذا كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي كان آرثر جيمس بلفور وزيراً لخارجيتها وأصدر وعده المشؤوم عام 1917م لسادته في الحركة الصهيونية بإقامة دولتهم عليها، وعمدت بريطانيا في ضوء ذلك إلى العمل الحثيث منذ بدايات القرن العشرين إلى المباشرة في تغيير معالم القدس بهدف إقامة الوطن القومي الموعود لليهود في فلسطين وعاصمتها القدس تنفيذاً لإعلان بلفور المذكور عام 1917. وكان ذلك بمنزلة أول ضوء بريطاني أخضر لليهود في تنفذ الوعد المشؤوم، فوضع بعضهم مقاعد وأدوات تتعلق بطقوسهم قرب الحائط الغربي للمسجد الأقصى المسمى بحائط البراق بمناسبة ما يسمونه "يوم الغفران"، الأمر الذي هبت الجماهير الفلسطينية عن بكرة أبيها انتفاضاً في وجهه، حيث اندلعت اشتباكات واسعة النطاق بين العرب واليهود عند (الحائط الغربي المذكور) يوم 15 أغسطس/آب 1929، وبلغت الثورة ذروتها في 23 أغسطس/ آب عام 1929، بسقوط عشرات من الشهداء والجرحى.

كانت تلك أول انتفاضة فلسطينية مفجرة بذلك أول ثورة للفلسطينيين على بريطانيا والحركة الصهيونية معاً، عمّت أخبارُها كل العالم.

باتت تلك الانتفاضة من أهم الثورات التي كانت حافزاً لمعظم شعوب العالم الواقعة تحت الاحتلال أو تحت سطوة الدول الاستعمارية آنذاك للسير على نهجها وصولاً إلى حريتها واستقلالها بدءاً من الثورة الجزائرية فالفيتنامية فالكوبية فالنيكاراغوية وغيرها وغيرها.

فما أحوج شعوبنا اليوم إلى أن تستذكر عِبَرَ ثورة البراق ومدلولاتها، وتنتفض على كل الطامعين في مقدراتنا وقِيّمنا وأوطاننا.

المصدر / فلسطين أون لاين