فلسطين أون لاين

لا عملية إسرائيلية واسعة شمال الضفة الغربية

قد يكون من الخطأ الجزم بعدم إقدام الجيش الإسرائيلي على القيام بعملية عسكرية واسعة شمال الضفة الغربية، ردًا على تصاعد الهجمات الفلسطينية، وتعبيرًا عن العجز في لجم المقاومة المتصاعدة، ومع ذلك، فإن المعطيات السياسية والميدانية تشير إلى تردد الحكومة الإسرائيلية في اتخاذ مثل هذا القرار، بالرغم من الأحاديث الإعلامية عن جاهزية الجيش للقيام بعملية عسكرية قد لا تصل إلى مستوى عملية السور الواقي 2002، ولكنها أوسع من الاقتحامات اليومية، التي أثبتت فشلها في المرحلة الأخيرة، بعد أن تحصن رجال المقاومة بالحذر، وفككوا لغز المبادرة الإسرائيلية، واستعدوا لها بالكمائن، والمفاجآت التي أفشلت الغزوات الإسرائيلية الأخيرة، بل أوقعت بالإسرائيليين في العجز والحيرة.

الحديث الإسرائيلي عن عملية واسعة في شمال الضفة الغربية يحمل في مضمونه الاعتراف الضمني بتعاظم قدرات المقاومة، والإقرار الصريح بحضور المقاومة الفاعل في أوساط جماهير الشعب الفلسطيني، مع الخوف من تنامي ظاهرة المقاومة، وهي تدق أوتادها في الأرض، وتتفرع في سماء الأجيال التي كبرت على زغاريد الشهادة.

الحديث الإسرائيلي عن عملية عسكرية موسعة يعني الاعتراف الإسرائيلي بفشل كل المحاولات السابقة في السيطرة على شمال الضفة الغربية، وفشل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في احتواء ظاهرة المقاومة، وما نجم عن ذلك من إرباك لحياة المستوطنين، ورعبهم في أثناء الانتقال على الطرقات، وهذا الذي يضع الحكومة الإسرائيلية بين خيارين:

الخيار الأول: القيام بعملية عسكرية موسعة، قد تتطور إلى ما يشبه عملية السور الواقي سنة 2002، ولهذا الخيار مخاطر سياسية وأمنية كبيرة، منها

1ـ المخاطر السياسية: وتتمثل في انهيار ما تبقى من السلطة الفلسطينية، وذلك بعد تغير الحال في الضفة الغربية، وفقدان السيطرة على جنود وضباط الأجهزة الأمنية، الذين ينتمون بغالبيتهم إلى وطنهم فلسطين، ويمقتون وظيفة التنسيق والتعاون الأمني، وهم جاهزون ليكونوا جزءًا من المواجهة، وما يعقب ذلك من انفراط عقد المنظومة الأمنية الفلسطينية التي تعد ذخرًا إستراتيجيًا لأمن (إسرائيل).

انفراط عقد المنظمة الأمنية يعني نهاية الدور السياسي الذيلي للسلطة، والنهاية لهذه القيادة التي جرفت مصير الشعب الفلسطيني من هزيمة إلى مهانة، ومن تدني إلى انسحاق، لم يخدم إلا المحتلين الصهاينة.

 2ـ المخاطر الأمنية: وتتمثل باتساع المواجهات من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، واشتعال كل الضفة الغربية في وجه المحتلين، وهذا تطور أمني تخشاه المؤسسة العسكرية، إضافة إلى حتمية دخول غزة على خط المواجهة، فغزة ترى في نفسها الوريث الشرعي للتاريخ الفلسطيني المقاوم للاحتلال، والقادر على توحيد القضية الفلسطينية خلف إستراتيجية المواجهة. ووحدة الموقف الفلسطيني ما تخشاه الحكومة الإسرائيلية.

الخيار الثاني المطروح أمام الحكومة الإسرائيلية، وهو خيار فك الارتباط مع أجزاء من الضفة الغربية، كما حدث ذات يومٍ مع غزة، حيث ستجد الحكومة الإسرائيلية نفسها مضطرة لإخلاء بعض التجمعات الاستيطانية، والابتعاد عن مواقع الاحتكاك، وتقديم الإغراءات الاقتصادية للسلطةـ ولو مؤقتًا؛ مكافأةً لها، وتشجيعًا لها لتقوم بدورها الوظيفي، مع الحرص على تقديم السلطة كمنقذ للشعب الفلسطيني، وكطرف استطاع بحكمته الحيلولة دون عملية عسكرية موسعة. 

الشاهد في الأمر، أن التهديد الإسرائيلي بعملية عسكرية موسعة شمال الضفة الغربية، ليس إلا فزاعةً ومنهاجًا سياسيًا إسرائيليًا يقوم على جني الثمار دون جهد، ودون دفع الثمن، ليكون التهديد باقتحام شمال الضفة الغربية أقرب إلى تهديد الثعلب للحمامة، حين هددها بالصعود إلى الشجرة، إن لم تلق له فراخها!

 فهل ترتجف حمامة التنسيق الأمني، وتخضع لتهديد الثعلب، وتباشر في مهاجمة رجال المقاومة، واعتقالهم، لتلقي بهم بين فكي الثعلب؟