فلسطين أون لاين

تقسيم الأقصى قاب قوسين أو أدنى

لم يكن مفاجئًا مشروع قانون الاحتلال الجديد الداعي لتقسيم المسجد الأقصى المبارك مكانيًا من إعداد المتطرف عميت هاليفي عضو “الكنيست” الصهيوني عن حزب الليكود الحاكم، الذي يقوده رئيس حكومة الاحتلال المتطرف بنيامين نتنياهو، بل إن نوايا الاحتلال المبيتة لتهويد وتقسيم الأقصى (أو بالأحرى التخلص منه) قاب قوسين أو أدنى نتيجة محاولات عديدة؛ فتارة حاول الصهاينة إحراقه في عام 1969، وتارة أخرى حفروا أنفاقًا أسفله بهدف إضعاف أساساته، ثم تلاها الاقتحامات المتواصلة للأقصى من المستوطنين التي بدأت وتيرتها تزداد بعد توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993، إذ صدر في حينه قرار من المحكمة العليا الإسرائيليّة يعد صلاة اليهود في ساحات الأقصى "قانونيّة"، وبعدها أصدرت لجنة حاخامات المستوطنات في عام 1996 فتوى تنص على "جواز الدخول" للأقصى، أعقبها اقتحام أريئيل شارون لساحات الأقصى في عام 2000، فمثلًا شارك سكرتير حزب العمل (يسار الوسط)، عضو البرلمان المتطرف حيليك بار، في تقديم مشروع قانون في يونيو/حزيران 2014 لتعزيز "حقوق العبادة لليهود" في الأقصى، كما صدر عن العليا الإسرائيلية في فبراير/شباط 2021 قرارًا بدون وجه حق يسمح للصهاينة بدخول الأقصى والصلاة فيه، وكذلك كان “للكنيست” دور مماثل، فقد عقد في يوليو/تموز 2009 مؤتمرٌ بعنوان: "السيادة اليهوديّة على جبل الهيكل-عمليات وتغييرات" في محاولة لبحث تعميق سيادة الاحتلال على المسجد الأقصى، وقد شهدت الخمس أعوام الماضية موجة اقتحامات الصهاينة للأقصى والعبث بمقدراته ومحتوياته وتدنيسه وإهانة قدسيته ورمزيته الإسلامية، فنُصبت كاميرات وبوابات إلكترونية، وسرقة الحجارة، وذبح القرابين وإقامة صلوات تلمودية ورقص ومسيرات ورفع الأعلام والقذف والشتم بشعارات استفزازية، ناهيك بالاعتداءات على المصلين بالضرب وإطلاق النار عليهم من المستوطنين وقوات الاحتلال التي تساندهم في أثناء عمليات الاقتحامات.

الواضح من كل هذه المواقف الصهيونية أنه لم يعد أمر التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى مجرد أحلام، بل بات أمرًا واقعًا تسعى حكومة الاحتلال المتطرفة لتطبيقه بالقوة، نظرًا للخطوات المتسارعة التي تنفذها سلطة الاحتلال، إذ تؤكد إصرارها على المضي قدمًا في مخطط التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، كما حدث منذ 22 عامًا تقريبًا بتقسيم الصهاينة للحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يعزم الاحتلال على تقسيم الأقصى في هذه الأيام؟ هل هو لعدم خشيته من أي ردة فعل؟ أم هي خطوة أولى يتبعها خطوات لاحقة؟

إن حكومة الاحتلال المتطرفة التي عقدت الشهر الماضي اجتماعًا لها في الأنفاق التي حفرتها أسفل الأقصى، لم تخف أطماعها في إيذاء الأقصى، إذ بات هذا الأمر يحتل قائمة أولوياتها الكبرى، لكون الأقصى يمثل جوهر الصراع، فتريد تهويده بالكامل ولو على مراحل باتباع سياسة “النفس الطويل”، لبسط  ما تسمى "السيادة الصهيونية" على مدينة القدس بشقيها الغربي والشرقي، وليس أدل على هذا من مزاعم المتطرف "بن غفير" بنشره صورة له في حسابه على تويتر قائلًا: "القدس روحنا"، وأضاف "أنا سعيد بوجودي في الحرم القدسي، المكان الأكثر أهمية للمجتمع الإسرائيلي. يجب القول إن عناصر الشرطة يقومون بعمل رائع ويثبتون مرة أخرى من هم أصحاب السيادة هنا" على حد زعمه.

المتطرف "بن غفير" يتحدث ليس من موقع قوة، لأنه لا يعير الأمتين العربية والإسلامية أي أهمية ولا يخاف من القانون الدولي، لكنه يحسب ألف حساب عند إقدامها على اقتحام الاقصى “كاللص” من غضب غزة والمقاومة التي تقودها حركة حماس، وقد حذرته وحكومته بأن “سيف القدس” لم يغمد بعد، وأن صبرها بدأ ينفد، وأن الأقصى خط أحمر، لذا هو يعي معنى هذه التهديدات وما سينتج عنها في حال تجاوزها.

الواضح أن الاحتلال فشل في تنفيذ مخططه لتهويد الأقصى، كما فشل في كل الفترات الماضية في الاستيلاء على أي نقطة فيه، لعدم قدرته على اختراق جدار الصمود والرباط الفلسطيني للدفاع عن الأقصى بهدف تقسيمه زمانيًا، وإيجاد موطئ قدم لمشاركة الوجود الإسلامي فيه، والآن يريد الاحتلال تمرير مخطط تقسيمه خطوة خطوة، بداية بإعادة تعريفه وتخصيص مفهوم الأقصى بالجامع القبلي فقط، كي يعطي لنفسه مبررًا في تهويد باقي أجزائه.

أخيرًا أقول المسجد الأقصى هو مكان مقدس ملك خاص بالمسلمين، لما يمثله من رمزية دينية هامة، فهو أولى القبلتين وثاني الحرمين، وهو المسجد الثالث بعد الحرم المكي والمسجد النبوي، وأي اعتداء عليه أو المساس بحرمته وقدسيته سيحدث زلزالًا كبيرًا في المنطقة، خاصة أنه شهد عدة انتفاضات وهبات وثورات فلسطينية على مدار العقود السابقة كان آخرها معركة “سيف القدس”، وما يشهده الآن من اقتحامات واعتداءات وتهديد وتقسيم يضع علامات استفهام وتعجب لصمت العالم على جرائم الاحتلال، لكن الشعب الفلسطيني لا ينتظر كثيرًا وقد أخذ صبره بالنفاد، ففي عدة محطات استطاعوا فرض وقائع على الأرض (المصلى المرواني، ومصلى الرحمة، الاعتكاف في رمضان)، كما استطاعوا بمقاومتهم إفشال العديد من الإجراءات الإسرائيلية (الكاميرات، البوابات الإلكترونية)، يبدو أن الاحتلال لم يتعلم من درس الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، وبحسب مراقبين فإن كل المؤشرات تشير إلى قرب اندلاع انتفاضة ثالثة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ستحرق الأخضر واليابس وستزلزل الأرض تحت أقدام الاحتلال، إذا نفذ مخططاته التهويدية في الأقصى.