لا زالت عملية العوجا تطرح نفسها بقوة على أوساط جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، وتؤكد ما هو مؤكد بأن الجبهة الجنوبية كبيرة ومعقدة، وأن قوات الاحتلال تعمل هناك في واقع صعب، ولئن كان هذا الكلام صحيحًا ومعروفًا عما يخص قطاع غزة من ضمن الجبهة الجنوبية، فقد أضيف إليها اليوم الحدود مع مصر، وهذا يعني اتساع رقعة هذه الجبهة، وزيادة مخاطرها.
مع العلم أن جيش الاحتلال ما فتئ يواجه على مدار الساعة إحباط أخطر عمليات التهريب المتعددة، وضبط المخدرات مع الحدود المصرية، باعتبارها حدثًا "روتينيًّا" يحدث كل ليلة تقريبًا، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بنيران المهربين، لكنها من المرات المعدودة التي يضطرون فيها إلى مواجهة مسلّح يهاجم جنود الاحتلال.
على الرغم من التعاون الاستخباراتي المكثف القائم بين تل أبيب والقاهرة، فيمكن لأي إسرائيلي أُتيحت له فرصة زيارة مصر في ظروف مختلفة، أن يشهد كراهية عميقة للإسرائيليين واليهود في الدولة المجاورة، وهو واقع يصفه الاحتلال بأنه يتعارض مع مستوى التعاون السياسي والأمني بين الجانبين.
يضع الاحتلال يده على ما يعدُّه بعض الإخفاقات العملياتية، التي أدت ضمنيًّا إلى نجاح عملية العوجا، أولها أنه على طول الحدود المصرية، هناك العديد من النقاط الأمنية التي يديرها رجال الشرطة، لأن اتفاقية (كامب ديفيد) تمنع دخول الجيش إلى سيناء، لأنها منطقة منزوعة السلاح، وبالتالي فإن القوات المنتشرة على طول الحدود تتكون من ضباط شرطة، وليس من الجنود.
ثاني الإخفاقات أن التنسيق الإسرائيلي يتم مع مصر مع جهاز المخابرات، ما يخلق عدم وجود تنسيق تكتيكي بين قواتهما المسلحة في الميدان على جانبي الحدود، وهو على عكس الواقع الموجود على الحدود الأردنية، التي ربما تواجه خطرًا مماثلًا في قادم الأيام.
تبقى الأسئلة الإسرائيلية الكبيرة عما إذا كان منفذ الهجوم فعل ذلك وحده، أو عمل لدى منظمة مسلحة، وكيف نجح بعبور الحاجز المعقد الذي وضِع؟ وكيف استطاع مفاجأة الجنود الذين لم يردوا بالنار؟ ويبدو أنهم فوجئوا به، وكلها أسئلة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الاحتلال وقع في أخطاء لتحديد احتمالات تنفيذ العملية.
إن كان من استخلاص إسرائيلي لافت من عملية العوجا، فهو أنها تذكّر الاحتلال بالتحدي الحقيقي الذي يواجهه، فبالرغم من وجود تعاونه المثمر مع مصر والأردن، لكن الكراهية تجاهه لا تزال مشتعلة بين الشعبين المصري والأردني، ما يدفعه لعدم استبعاده من جدول الأعمال سيناريو يترجم هذه المشاعر المعادية إلى عمليات فدائية، الأمر الذي يجعله مستعدًا لأصعب السيناريوهات، لأن ثمنه سيكون حادًّا وباهضاً.