كاد الانقسام الفلسطيني الذي استمر لأكثر من أحد عشر عاما أن يقود إلى مخططات راهنت سلطات الاحتلال عليها في إدارة سياساتها مع السلطة الفلسطينية، متمثلة بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، إذ مثلت استجابة حركة حماس لجهود المصالحة التي تقودها مصر دفعة قوية لقطار المصالحة الذي طاف عواصم مختلفة وتعثر على عتبات الأجندات السياسية، لتطرح محطة القاهرة الأخيرة تساؤلاً عن العوامل التي يمكن أن تدفع بالمصالحة إلى الصورة التي ينتظرها الفلسطينيون.
والمصالحة اليوم لم تعد تعني ممارسة حكومة الحمد الله لمسؤولياتها بغزة فقط، بحسب محللين تحدثت إليهم صحيفة "فلسطين"، وإنما إعادة بناء الشراكة الوطنية الفلسطينية على أسس جديدة، بما تحتاجه من تنازلات من السلطة الفلسطينية بقيادة رئيسها محمود عباس، ووضع إستراتيجيات لإدارة التحديات السياسية.
وكانت حركة حماس حلت الأحد الماضي اللجنة الإدارية في قطاع غزة، وذلك عقب جلسات حوار قادتها مصر مع قيادات من حماس وفتح في العاصمة القاهرة، وهي خطوة لطالما علق عباس موقفه السلبي من قطاع غزة عليها.
6 عوامل للنجاح
وهناك مجموعة يمكن أن تقود لنجاح المصالحة، وفق الكاتب السياسي مصطفى الصواف، أولها توفر الإرادة الحقيقية لإنهاء حالة الانقسام وتحقيق الشراكة السياسية "بنوايا حسنة".
وأشار إلى أن ثاني العوامل "قناعة كافة الأطراف بأن القضية الفلسطينية بحاجة إلى الكل الفلسطيني، وأنه لا يستطيع أي تنظيم تحمل المسؤولية كاملة، وهذا يعني الإيمان بالشراكة السياسية، كل حسب إمكانياته".
والعامل الثالث، أن يجلس الفلسطينيون على طاولة حوار واحدة لبناء إستراتيجية فلسطينية يتوافق عليها من أجل النهوض بالقضية الفلسطينية والمشروع الوطني، لافتا إلى أن العامل الرابع يتجسد بالبعد عن التدخلات الخارجية من أي طرف من الأطراف، والاعتماد على الشعب الفلسطيني وقواه الحية دون أي تأثر خارجي من أي قوة دولية.
وشدد الصواف، على أن المصالحة قضية تحتاج إلى تطبيق عملي على أرض الواقع، قائلا: "حتى اليوم لم نر إلا جدية حماس، أما جدية فتح فما زالت تراوح مكانها، والساعة القادمة ستكشف عن حقيقة هذه النوايا".
فيما أضاف المحلل السياسي هاني حبيب، أن "جدية حماس" بتحقيق المصالحة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع، ومجموعة الإخفاقات السياسية التي منيت بها حركة فتح، نتيجة الانشقاقات الداخلية في صفوف قياداتها بشكل ضاعفت حجم اللائمة عليها كطرف معطل لجهود إنهاء الانقسام، كل ذلك يمثل عاملاً خامساً لنجاح الجهود المصرية.
أما العامل السادس كما يرى حبيب، فيتعلق بالدور المصري "الضامن" هذه المرة لموضوع المصالحة، بخلاف المرات السابقة الذي كان يتوقف عند جمع الفصائل الفلسطينية، وتترك للجانبين مواصلة عملية المصالحة"، مستدركا "أن هذه المرة ستقوم مصر بإرسال وفد أمني سيكون شاهدا على عملية مفاوضات المصالحة وتسلم حكومة الحمد الله لإدارة الوزارات الحكومية بغزة".
عقبات في طريق المصالحة
إلا أنه أشار إلى عقبات تعترض مسار المصالحة، فالانقسام الذي استمر لأكثر من أحد عشر عاما "كاد أن يتحول لانفصال، والمسألة الأخرى متعلقة بحركة حماس والبعد الأمني والمقاوم، في ظل رغبة السلطة في أن تكون هذه المسألة مطروحة في إطار المصالحة، بالإضافة إلى مسألة موظفي غزة، فضلا عن الأبعاد السياسية المحتملة في الخلافات، والرهان على الموقف الأمريكي، والمفاوضات"، منوهاً إلى أن حماس تريد إصلاح الوضع الداخلي قبل كل شيء.
وقال: "استعداد حماس لوضع كل التسهيلات لاستلام حكومة الحمد الله إدارة غزة يجب أن يقابل من فتح بعدم تلكؤ في إرسال مندوبين عن الحكومة، لتبدأ عملية التسلم وإظهار حسن النية وإعادة الثقة المعدومة بين الجانبين، لمنح الشعب الفلسطيني بارقة أمل".
مسارات سابقة
لكن الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل عبر عن خشيته من أن تكون لقاءات المصالحة ليست مختلفة عن الحوارات السابقة، نتيجة عدم حدوث حوار عميق ومسؤول وجدي، لوضع خارطة طريق تفصيلية لكيفية تطبيق المصالحة، وتذليل العقبات، باتفاق بين الكل الوطني الفلسطيني أولا.
وشدد على ضرورة أن تكون هناك سياسة وطنية متفق عليها، وإستراتيجية جديدة، والاتفاق على برنامج الحكومة السياسي، بالحوار الوطني الشامل وليس الثنائي، ومشاركة ومتابعة حثيثة من قبل مصر لتوفير ضمانات النجاح، مذكراً بوجود اتفاق شامل (اتفاق القاهرة 2011) ولكن بحاجة إلى تفاصيل وإعادة مراجعة.
وأكد عوكل، أن المصالحة مهمة بكل توقيت، ولكن الانقسام كاد أن يسهم بنجاح خطة الاحتلال بفصل غزة عن الضفة، وتشتيت القرار الوطني والتمثيل الفلسطيني، ومنح الآخرين ذرائع ومبررات لإضعاف دورهم بدعم القضية.