تُعيد جريمة قتل الطفل محمد التميمي بجانب والده برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، قرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، إلى الأذهان حادثة استشهاد محمد الدرة في غزة، بعد أيام من اندلاع انتفاضة الأقصى في العام 2000.
وكان الطفل محمد البالغ من العمر 3 أعوام تملأه سعادة غامرة وهو يرافق والده هيثم التميمي (40 عاما)، الذي كان يهم بالخروج بسيارته من منزله الواقع على مدخل قرية النبي صالح برام الله، ولكن الفرحة سرعان ما تبددت على وقع رصاص جنود الاحتلال المتواجدين على الحاجز العسكري في مستوطنة "حلميش"، الذي أصاب الطفل ووالده.
ست رصاصات أصابت جدار السيارة الحديدي واحدة منها استقرت في رأس الطفل "محمد" وأدت لإصابته بجراح بالغة الخطورة، فيما اخترقت رصاصة أخرى كتف والده "هيثم" وخرجت من الجهة الأخرى، وجرى نقلهما إلى المستشفى، حسبما يروي عم الطفل حسن التميمي لصحيفة "فلسطين".
أمضى "محمد" خمسة أيام داخل قسم العناية المركزة في مستشفى "تل هشومير" في الأراضي المحتلة عام 1948، حتى تردت حالته الصحية، قبل أن تعلن وزارة الصحة عن ارتقائه شهيداً أمس، فيما أفادت باستقرار حالة والده.
مشهد لا يختلف كثيرًا عن اختباء الشهيد الطفل محمد الدرة (12 عامًا) خلف والده، محتميًا من رصاص الاحتلال صباح 30 أيلول/سبتمبر من العام 2000، والذي لا يزال حاضرًا في أذهان العرب عمومًا، والفلسطينيين خصوصًا، رغم مرور 23 عامًا على تلك اللحظات.
اقرأ أيضًا: تشييع جثمان الطفل الشهيد محمد التميمي في رام الله
يقول هيثم التميمي الذي خرج من المستشفى للمشاركة في جنازة تشييع طفله محمد: "كان يوماً مشؤوما- في إشارة ليوم الخميس الماضي- حينما فتح جنود الاحتلال شهيتهم للدم الفلسطيني، فقتلوا ابني محمد".
يمزقُ الألمُ صوت الأب كما تشي ملامحه كذلك، فيحكي "إطلاق النار كان علينا بشكل مباشر، في إجرام إسرائيلي واضح يهدف للقتل، علماً أن ابني بحب يلعب ويطلع في السيارة".
في لحظةٍ تجمد الكلام في حلق الأب المكلوم "هيثم" ولم يعد قادراً على الكلام بعدما حاول منح طفله الدفء والحنان "ابني ما لحق يشوف اشي من حياته وقتلوه (..) حسبنا الله ونعم الوكيل".
ويضيف وعلامات القهر تكسو ملامح وجهه "ما في أمل من أي مؤسسة أن تحاسب جيش الاحتلال على جرائمه ضد الفلسطينيين وخاصة الأطفال، فكل من ارتقى في هذا الوطن هو بريء".
"مبروك عليك الشهادة يا ماما" هي كلمات كتبتها مروة التميمي والدة الشهيد "محمد" عبر صفحتها الشخصية على "فيس بوك" بعدما لم تجد كلاماً يعبر عن القهر والألم الذي يجول بداخلها، ولا سيّما أنه لم يتبقَ للعائلة سوى طفلهم "أسامة" بعدما ارتقى "محمد" شهيداً.
فيما ينفي عم الطفل "حسن" مزاعم الاحتلال الذي حاول تبرير جريمته بأن إطلاق النار صوب سيارة شقيقه "هيثم" جاء رداً على تعرض مستوطنة "حلميش" لإطلاق النار.
ويقول التميمي: "لم يكن هناك أي مظاهرات قرب المستوطنة أو الحاجز العسكري، إنما كانت هناك حالة استنفار لدى جيش الاحتلال، وهو ما يدلل أن لديهم نيّة مبيته للقتل"، مشيراً إلى أن الاحتلال داهم القرية بعد إصابة شقيقه وطفله.
وبقلب مكلوم يوجه رسالة "هذا احتلال مجرم وينفذ جرائم غير قانونية ضد أبناء الشعب الفلسطيني ولا سيما الأطفال منهم، فهذه جريمة نكراء ومدانة ويجب محاسبة منفذيها".
ويُكمل "دولة الاحتلال يتوهم العالم أنها ديمقراطية، لكن هذا ادّعاء عنصري فهي دولة عنصرية وهمجية"، مشيراً إلى أن هذه الجريمة تضاف إلى مسلسل الجرائم التي نفذها الاحتلال منذ احتلاله للأراضي الفلسطينية.
اقرأ أيضًا: "حماس" تنعى الطفل "التميمي" وتؤكد: الاحتلال لن يوهن عزمنا
جرائم ممنهجة
من ناحيته، أكد مسؤول مؤسسة الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فلسطين، عايد أبو قطيش، أن الاحتلال أطلق 6 رصاصات صوب السيارة التي يقلها "هيثم" ومعه طفله "محمد"، وأصابها بشكل مباشر.
وأوضح أبو قطيش لصحيفة "فلسطين"، أن هذا الحادث ليس الأول الذي تنفذه قوات الاحتلال باستهداف الأطفال الفلسطينيين وعمليات إطلاق النار بدون مبرر تجاههم في الضفة الغربية، لافتاً إلى أن الحركة العالمية تتابع وتوثق كل جرائم الاحتلال بحق الأطفال الفلسطينيين وانتهاك حقهم في الحياة.
وأفاد بأنه بارتقاء الشهيد محمد التميمي ارتفع عدد الشهداء الأطفال إلى 20 شهيداً منذ بداية العام الجاري، خلال عمليات الاقتحام لمدن وتجمعات سكانية للفلسطينيين.
وشدد على أن "شيوع ثقافة الإفلات من العقاب وعدم مسائلة الجنود الإسرائيليين على هذه الجرائم هي تشكل ضوء أخضر لعملية قتل المدنيين الفلسطينيين بما فيهم الأطفال".
وبيّن أن مؤسسته تتواصل مع كل الجهات الدولية المعنية بمتابعة جرائم الاحتلال وانتهاك حقوق الفلسطينيين بما فيهم الأطفال، من أجل الوصول لمعاقبة مرتكبي هذه الجرائم.
وبحسب أبو قطيش، فإن الحركة العالمية وثقت ارتقاء أكثر من 2260 طفلاً فلسطينياً على يد سلطات الاحتلال منذ عام 2000 حتى هذه اللحظة، حيث كان غالبيتهم من قطاع غزة، تحديداً خلال العدوانات الإسرائيلية المتكررة.