الغارة الجوِّيَّة "الإسرائيليَّة" الأخيرة على موقع (قوسايا) بجبال الهرمل في لبنان فجر يوم 31 أيار/مايو 2023، تأتي في مسار التسخين المتواصل الذي دأبت على ممارسته حكومة نتنياهو في العامَيْنِ الأخيرَيْنِ، ومحاولة لتوسيع ما تُطلق عليه أجهزة الأمن "الإسرائيليَّة" بـ(بنك الأهداف) من القِطاع والقدس والضفَّة إلى سوريا ولبنان.
والأمْرُ ليس بجديد، فقد دأبت (إسرائيل) على القيام بنشاطها الجوِّي المُعادي فوق سماء سوريا ولبنان، وأغلب الأحيان من أجواء البحر الأبيض المتوسط، في استهداف مواقع مختلفة في سوريا ولبنان، وغالبها مواقع مدنيَّة إنتاجيَّة.
إنَّ ما جرى في الغارة الجوِّيَّة «الإسرائيليَّة» على موقع قوسايا في لبنان، مؤخرًا، ليس بعيدًا عن التخبُّط السياسي الذي تعيشه دولة الاحتلال، ونتنياهو بشكلٍ خاصٍّ، الذي باتت أوضاعه وأوضاع حزبه (الليكود) تتراجع وفق استطلاعات الرأي المُتتالية مؤخرًا في (إسرائيل) والتي تجري على عيِّنات عشوائيَّة من المُجتمع اليهودي على أرض فلسطين.
وعليه، يحاول نتنياهو منع انفجار القنبلة الداخليَّة وانفراط عقد حكومته، وهو يخوض معاركه السياسيَّة مع الأطراف المناوئة "المعارضة" وهي أطراف يمينيَّة أيضًا على كُلِّ حال. ولا تختلف بجوهر سياساتها كثيرًا عن سياسات نتنياهو بالنسبة للفلسطينيين ومستقبل الحلِّ معهم. نحن هنا لا نقلِّل من شأن الأمور وكأنَّ ما يجري من اعتداءات مستمرَّة من قِبل دولة الاحتلال، تستهدف سوريا ولبنان وعموم الأرض الفلسطينيَّة من القدس وباحات الأقصى حتى القِطاع وكأنَّها لحساباتٍ «إسرائيليَّة» داخليَّة فقط. بل نذهب للقول بأنَّ حكومة الاحتلال وكُلَّ الحكومات التي سبقتها نسفت عمليًّا ما يُسمَّى "حلِّ الدولتَيْنِ" المتوافق عليه أُمميًّا انطلاقًا من الشرعيَّة الدوليَّة وقراراتها المتعلِّقة بفلسطين.
حكومة نتنياهو من الطِّينة ذاتها، طِينة الحكومات السابقة بالنسبة للرؤية البعيدة للحلِّ مع الفلسطينيين، التي ترى أنْ «لا مكان للحلم الوطني الفلسطيني المشروع بدولة فلسطينية مستقلَّة وتقرير المصير وحقِّ العودة»، بل تريد إعادة "هندسة العنصريَّة" بقالبٍ جديد، بحيث تؤدِّي الأمور في النهاية لـ"دولة يهوديَّة" على كامل أرض فلسطين التاريخيَّة، ويبقى الفلسطينيون في مناطق منها داخل غيتوات (معازل). إنَّها العنصريَّة التي لَنْ يكونَ لها مكان، فهلوسات المتوهِّمين من عتاة الصهاينة، وحتى الأكثر اعتدالًا منهم هي مجرَّد شطحات ثخينة، عنصريَّة وفاشية.
"الدولة اليهوديَّة" خلف التاريخ، و"هندسة العنصريَّة" خارج السياق الإنساني في القرن الحادي والعشرين. وزمن التطهير العرقي ووأد الهُوِيَّة الفلسطينيَّة انتهى وإلى غير رجعة، وها هو الشَّعب الفلسطيني موحَّد في كفاحه على أرض فلسطين، وأكثر من نصفه بات مُنغرسًا لا يُمكِن اقتلاعه من أرض وطنه التاريخي. فلا الغارات على (قوسايا) في لبنان، ولا الغارات والاعتداءات على سوريا، ولا عمليَّات اقتحام باحات الأقصى والسلوك العدواني في عموم الضفَّة الغربيَّة والعدوان على القِطاع سيثني الشَّعب الفلسطيني، أو يقوده نَحْوَ الركوع. بل سيضع دولة الاحتلال أمام حلَّيْنِ فقط كما قال يوم 29/5/2023 الكاتب «الإسرائيلي» المتنور (جدعون ليفي) في مقالٍ له: «الحلُّ الأوَّل ـ حلُّ الدولة الواحدة على كامل أرض فلسطين التاريخيَّة. أو الحلُّ الثاني المتمثِّل في انفجار الأمور باتِّجاه (إسرائيل) ذاتها… نعم لقد نطق (جدعون ليفي) بمنطق دروس التاريخ.