فلسطين أون لاين

من الكسور إلى الازدهار.. رحلة استثنائية لـ"ماريا" في عالم الزراعة

...
مشروع ماريا حمايل في الزراعة
نابلس/ غزة–فاطمة الزهراء العويني:

بعزيمتها القوية تغلبت ماريا حمايل على الظروف الصحية والاجتماعية الصعبة التي مرّت بها، فلم تستسلم لتلك الظروف، ووقفت على قدميها مجدداً، واعتمدت على نفسها، حتى أصبح لها مشروعها الخاص الذي يُدر عليها دخلاً يقيها الحاجة للآخرين.

كانت نقطة التحول في الحياة الهادئة لـ"ماريا" قبل نحو 30 عاماً عندما تعرضت هي وعائلتها لحادث سير مروع في المملكة العربية السعودية، فتوفي معظم أفرادها، في حين عانى من تبقوا على قيد الحياة كسورًا ونسبًا متفاوتة من العجز.

كان نصيب " ماريا" من تلك المعاناة كسورا متعددة في الحوض والكاحل وبعض فقرات العمود الفقري (بنسبة عجز 45%)، لتخوض رحلة علاج طويلة هي والمصابون من عائلتها امتدت لعام كامل تنقلوا فيها بين الأردن والسعودية، إلى أن قرروا العودة للاستقرار في بلدتهم "بيتا".

وبسبب زواجها لم تتمكن من إكمال دراستها الجامعية على الرغم من أنها وصلت للمستوى الثاني فيها، "أنجبتُ أربعة من الأطفال، وانشغلت بتربيتهم وبمسئولياتي المنزلية، إلى أن وقع الطلاق بعد حياة زوجية امتدت عشر سنوات تخللها الكثير من الصعاب".

لم يكن الأمر سهلاً في البداية لكن "ماريا" استطاعت أن تستعيد نفسها بعد مدة من الوقت، وأول شيء فكرت فيه الدراسة الجامعية إلا أنها اصطدمت بحاجز تقادم شهادة الثانوية العامة، فاضطرت للعودة إلى مقاعد "التوجيهي"، واجتازته من المرة الأولى رغم انقطاعها عن التعليم مدة 23 عاماً.

بعدها التحقت بجامعة القدس المفتوحة في تخصص تكنولوجيا المعلومات، لكنها لم توفق في الحصول على وظيفة وكانت حاجتها للاكتفاء المادي بعد الانفصال دافعاً لها للتفكير في عدة مشاريع صغيرة للحصول على دخل مادي لتغطية مصاريف التعليم والعلاج.

في عام 2016 ازداد وضع "ماريا" الصحي سوءاً، حيث أصيبت بوعكة كشفت إصابتها بمرض "الساركويد" (من الأمراض المناعية المزمنة التي تصيب الرئتين والغدد اللمفاوية)، فخضعت لعدة عمليات جراحية.

اجتياز العوائق

لكن المرض لم يحل دون إنشائها مشروعا تعليميا خاصا بها، حيث تُدرس الطلاب وتؤسسهم في الدراسة، حتى أصبحت مقصداً للكثير من الأهالي بل ولطلاب الجامعات أيضاً لبراعتها في تدريس الرياضيات واللغة الإنجليزية. 

وبجانب هذا المشروع كان لـ"ماريا" عدة مشاركات مجتمعية فهي عضو في نادي جبل النار وعضو هيئة استشارية متطوعة في بلدية بيتا، وفي جمعية نساء بيتا التنموية، ولها مشاركات في مساندة "حراس الجبل" خلال الهجمة الاحتلالية الإسرائيلية على بلدة "بيتا" ومحاولتهم الاستيلاء على جبل صبيح لغرض الاستيطان.

تقول: "لم أستطع أن أترك هذا الحدث الكبير دون مشاركة، فتوليت مع عدد من النساء مهمة طهو الطعام لـ"حراس الجبل" من شباب البلدة".

وقناعة "ماريا" بأنه مهما مرّ في طريقها من صعوبات وعقبات فإن هناك أناسًا يمرون بظروف أصعب منا، "جعلني في كل مرة أتخطى ما يمر بحياتي من عوائق".

والمساحات الخضراء الشاسعة في "بيتا" كانت دافعاً لـ"ماريا" للتفكير في العمل بالزراعة، لكنها كانت تحتاج لمن يضع أقدامها على الطريق، إلى أن جاءت الفرصة المناسبة من خلال إحدى الجمعيات التي وفرت لها تدريباً في مجال الزراعة.

وتضيف: "استطعتُ استئجار قطعتي أرض، إحداهما خصصتها للمحاصيل المنوعة حسب الموسم والأخرى لزراعة الزعتر فأنا أحب هذا النبات كثيراً، ما جعلني أعشق العناية به وبزراعته".

وشيئاً فشيئاً قوّت "ماريا" من معرفتها بالزراعة من خلال التدريب وشبكة الإنترنت، لتحصل على منتوج مميز، وتسوقه في السوق المحلي ما يشكل لها مصدر دخل حالياً".

وتقضي "ماريا" أغلب وقتها قرب مزروعاتها، تعتني بها وتلاحظها كي تكتسب خبرة أكثر في مجالها، "أطمح لأن أوسع مشروعي وأسوق منتجاته خارج نابلس وأتمكن من التصدير".

وتشير إلى أن نبات الزعتر يحتاج للكثير من العناية والاهتمام للحصول على إنتاج مميز منه، فلا بدّ من أن تصله الشمس والهواء، كما أنه يحتاج لوقت طويل نسبياً للحصول على محصول، "ولكن ما يهون كل هذا التعب شم رائحته العطرة وهي تنبعث من حولي، لذلك سمي هذا النبات بمعطر الجبال، وأتمنى أن أتمكن من تعطير جبال "بيتا" به".

وترى "ماريا" أن المشاريع الزراعية لها أهمية كبرى في تعزيز صمود أهل "بيتا" في وجه الاستيطان الذي يقارعهم منذ سنوات طويلة طمعاً في نهب أرضهم وطردهم منها.