فلسطين أون لاين

لا تخذلوا الأسير وليد دقة.. ابن فلسطين

جاء إلى غرفتي في إحدى أقسام سجن نفحة 1987 شاب فلسطيني صغير العمر، موزون التفكير والسلوك، مشرق بالابتسامة، مفعم بالأمل، يفيض عشقاً للوطن، وشوقاً للحرية، كان يثق بالغد حد الرضا، وكان فرحاً بالفعل المقاوم الذي نفذه ضد الصهاينة عن قناعة واقتدار، كان وليد مؤمناً بواجبه الوطني.

36 سنة مضت، وما زلت أذكر الشاب الأسير الوسيم وليد دقة، الذي كان يقف بجوار سريري في السجن ساعات، كان يناقشني، ويسألني، ويستوضح، ويستجلي الكثير من القضايا السياسية والحياتية، وهو يهرش أسفل ذقنه، وحين أسأله: ما بك دائم الهرش في رقبتك يا وليد، يقول: حساسية، أو عدوى أصابتني خلال وجودي في زنازين العزل.

جاءنا وليد إلى سجن نفحة مرفوع الرأس، موفور العافية الوطنية، وكنا نحن السجناء فخورين بوليد دقة، وبأمثاله من فلسطينيي الـ48، الذين أعلنوا انتماءهم للثورة الفلسطينية، وخاضوا معاركها، ورفضوا التسليم بالخدعة الإسرائيلية التي فرضت عليهم حمل هويتها، واعتبرتهم إسرائيليين، وكان رد الشباب الفلسطيني فعلاً مقاوماً على الأرض نفذه وليد دقة، ومن قبله كريم يونس وماهر يونس، ومن بعدهم مخلص برغال وإبراهيم أبو مخ، وإبراهيم بيادسة، وأحمد أبو جابر، ويحيى إغبارية، ومحمد جبارين، وغيرهم.

للأسير وليد دقة تاريخ حافل بالعطاء خلف القضبان، فلم يهجع إلى فراشه بائسا، ولم يغمض عينيه يائسا، ولم يحملق في سقف الغرفة منتظرا الفرج الذي تأخر، أمسك وليد دقة الكتاب، واحتضن المعرفة، حتى اتسعت مداركه، لينهى دراسته الجامعية، ويصدر عدة مخطوطات من داخل سجنه، وقد فرض نفسه قياديًّا ومفكرًا وسياسيًّا منتمياً لوطنه، حتى صار ندًّا، وصارت أيام السجن ولياليه مطية، يقودها وليد إلى حيث الوحدة الوطنية رغم اختلاف الآراء، ولا تقوده أيام السجن إلى النسيان والانكفاء.

لقد اشتكى وليد دقة وأمثاله من أسرى الـ48 والقدس من طعنات الغدر مرتين:

الأولى- حين وقّعت قيادة منظمة التحرير على اتفاقية أوسلو، وخذلت آلاف الأسرى، وتخلت عنهم في السجون الإسرائيلية عشرات السنين، دون أن تدرج حريتهم شرطاً للتوقيع على الاتفاقية.

الثانية- حين اعترفت قيادة منظمة التحرير بـ(إسرائيل) ضمن حدود 1948، ليبيت الأسير وليد دقة وأمثاله من أسرى الـ48 خارج المعادلة الفلسطينية، وقد أمسوا وفق اتفاقية أوسلو "مواطنين إسرائيليين"، لا يحق لقيادة منظمة التحرير المطالبة بتحريرهم من الأسر.

وبعد 37 سنة في الأسر، أنهى وليد دقة فترة حكمه، ولكن إدارة السجون الإسرائيلية ترفض إطلاق سراحه، بزعم الحرص "على مشاعر" عائلة الجندي الإسرائيلي الذي قتل في عملية المقاومة البطولية التي نفذها وليد دقة.

إن قرار عدم إطلاق سراح وليد دقة لهو قرار إعدام لأسير يعاني مرض السرطان النادر، الذي يأكل ما تبقى له من أيام، لذلك وجهت العائلة دعوتها إلى المؤسسات القانونية، والحركات الشعبية، وإلى كل أبناء الشعب الفلسطيني؛ لتكثيف الفعل الشعبي، كما طالبت الفصائل وقيادة منظمة التحرير أن تقوم بواجبها، وأن تمارس الضغط على الحكومة الإسرائيلية للإفراج عن وليد قبل فوات الأوان، وقبل أن يوضع جثمانه في ثلاجة الموتى، أسوة بجثمان رفيقة الأسير ناصر أبو حميد.