فلسطين أون لاين

قصة لا تنساها ذاكرة الفلسطينيين والمتضامنين

تقرير "مرمرة".. لم تصل السفينة لكنّ الرسالة الإنسانية رست في قلوب الغزيين

...
سفينة "مافي مرمرة" المشاركة في "أسطول الحرية"- أرشيف
غزة/ يحيى اليعقوبي:
  • كحيل: كل متضامن كان يأمل بالوصول إلى غزة والعالم شاهد بشاعة الاحتلال
  • العالول: محاولاتنا لكسر الحصار لن تتوقف ونستعد لإطلاق قافلة بحرية وبرية قريبًا

بعد منتصف الليل ومع اقتراب حلول فجر يوم 31 مايو/ أيار 2010، بدأت زوارق بحرية الاحتلال الحربية بالنداء على قائد سفينة "مافي مرمرة" والسفن الأخرى المشاركة في "أسطول الحرية"، ومطالبتهم بعدم إكمال رحلتهم المتوجهة إلى شواطئ قطاع غزة، بهدف كسر الحصار الإسرائيلي البحري عن القطاع، بذريعة أنهم يدخلون إلى "منطقة عسكرية مغلقة".

لم تستجب السفن للتهديد الإسرائيلي، وأكملت الطريق باتجاه الوصول إلى ميناء غزة، ومع ساعات الفجر بدأت الزوارق الحربية تحيط بسفن المتضامنين، وتحوم فوقها مروحيات عسكرية إسرائيلية، محملة بالجنود المدججين بالسلاح، استعدادًا للسطو على السفن.

عند الساعة الرابعة فجرًا بدأ الاعتداء الدموي الذي تلتصق تفاصيله بذاكرة ممثل الحملة الأوروبية لكسر الحصار، وأحد المشاركين والشاهدين على المجزرة الإسرائيلية بحقّ سفينة "مافي مرمرة" مازن كحيل، إذ انقضت 13 عامًا على وقوعها ولا زالت القصة محفورة بذاكرته وقلوب أبناء الشعب الفلسطيني، حينما اختلط الدم التركي بالفلسطيني.

النيران أقوى من المياه

يطل على الحدث وكأنَّه يتحرك أمامه، يروي لصحيفة "فلسطين" لحظة الاعتداء: بدأت البحرية الإسرائيلية بإطلاق الرصاص الحي بشكل مباشر على المتضامنين، ليرتقي فورًا 10 أتراك منهم ويُصاب حوالي 30 آخرين، حتى بدأت الدماء تغطي سطح السفينة.

وأضاف كحيل وهو يعيد رسم الحدث: كان القرار عدم تسليم السفن للاحتلال والمضي قدمًا، وبدأ المتضامنون برش الماء من خراطيم السفن، لكنّ النيران كانت أقوى من المياه، واستمر الجنود بالتهديد ومحاصرة السفن ومنعها من استكمال رحلتها، وعندما ضجّ المكان برائحة الدماء حوالي الساعة 7 صباحًا، جرى اتخاذ القرار بتسليم السفن.

من خلف النوافذ الزجاجية المقفلة كان كحيل والمشاركون يرون الجنود وهم ينزلون من الطائرات على سطح السفينة، فاستولوا على قمرة القيادة، لكن لم تنتهِ الأمور بإجلاء المصابين والشهداء، فكل من شارك لم يسلم من التفتيش "الهمجي" ومصادرة كل ما بحوزته.

"صعدنا على سطح السفينة، وكانت بداية النهار والشمس حارقة، قيّدونا جميعًا بدون أدنى معاملة إنسانية، والطائرات تحوم فوق رؤوسنا، واستمرت الرحلة عدة ساعات حتى اقتادونا لميناء أسدود".. مشاهد مريرة لا زالت تلتصق بذاكرته.

في ميناء أسدود وجد كحيل والمتضامنون أمتعتهم تحولت إلى كومة متناثرة، وتعرضوا للشتم من جنود الاحتلال، واعتُقلوا في سجن "بئر السبع" قبل أن يتم ترحيلهم.

يقول كحيل: كل مشارك كان يأمل بالوصول إلى غزة لإيصال رسالته التضامنية الإنسانية، ورغم ما حدث إلا أنّ الرسالة وصلت، وتم الكشف عن بشاعة وجه الاحتلال في قتل الناس وتهديدهم دون أدنى احترام للقوانين الإنسانية، وكانت نقطة تحول مرّغت أنف الاحتلال في مياه البحر.

فكرة الأسطول

سبق الحدث مرحلة تتعلق بالتجهيزات التي استمرت عدة شهور، بعدما تجمّع العديد من المؤسسات الحقوقية والناشطين من حول العالم على فكرة أن يقدموا شيئًا للمحاصرين في قطاع غزة، فاتفقوا على كسر الحصار البحري المفروض على القطاع، لما لذلك من رمزية بأحقية الشعب الفلسطيني في الحصول على ميناء بحري يصله بالعالم.

بدأت المؤسسات المشاركة بجمع التبرعات في سبيل شراء حاجيات لقطاع غزة، أبرزها المستلزمات الطبية، وبعض البيوت المتحركة كون تلك الفترة كانت هناك أزمة سكن شديدة في القطاع؛ بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة (2008-2009).

انقسم المشاركون، وفق كحيل، إلى فريقين، الأول ينطلق من ميناء أنطاليا في تركيا، والثاني من اليونان، وفي أبريل/ نيسان 2010 بدأ توافد المتضامنين إلى مناطق التجمع.

اقرأ أيضًا: تقرير "مرمرة".. القصة التي لا تنساها ذاكرة الفلسطينيين والمتضامنين

وكان كحيل ممثلًا عن الحملة الأوروبية لكسر الحصار عن غزة كجزء من تحالف "أسطول الحرية"، وجهّز سفينة (8000) في اليونان، كرمزية لعدد الأسرى الفلسطينيين في ذلك الوقت، في حين تولت هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (İHH) تجهيز سفينة "مافي مرمرة".

وأوضح أنّ المشاركين خضعوا للتفتيش من الجهات المختصة اليونانية والتركية، وإجراءات السلامة والأمن قبل الصعود للسفن، وكان الانطلاق من نقطة عبور دولية.

يصف الأجواء التي سبقت انطلاق السفن بأنها "كانت تاريخية، يسودها أجواء من الفرح والفخر لأننا مقبلون على عمل إنساني غير مسبوق، وكنت حينها أمثل الحملة الأوروبية على متن سفينة مافي مرمرة، وكانت هناك مجموعة لإدارة المشروع والرحلة ممثلة بكل الفعاليات والجمعيات التي أدارت تحالف أسطول الحرية".

علامة فارقة

المتحدث باسم "أسطول الحرية" آنذاك زياد العالول يصف المحاولة البحرية لكسر الحصار بأنها "علامة فارقة في العمل المناصر لفلسطين"، من خلال حملة "ضخمة" مكونة من عدة سفن أبرزها سفينة "مافي مرمرة" التي كانت تحمل على متنها مئات المتضامنين مع فلسطين.

وقال العالول لـ"فلسطين": "رغم ما حدث واستشهاد عشرة متضامنين أتراك إلا أنّ الهدف في تسليط الضوء على حصار غزة قد تَحقّق، ونجحنا بضرب العلاقة بين الاحتلال وتركيا، ولم تعد مفتوحة للإسرائيليين كما كانت قبل الاعتداء.

لم يتوقع العالول وغيره من المشاركين حدوث سيناريو "المجزرة"، مشيرًا إلى أنهم تشاوروا مع مستشارين سياسيين وعسكريين أتراك، ولم يضع أحد سيناريو ما حصل.

ومنذ انطلاق أسطول الحرية لم تتوقف محاولات كسر الحصار المفروض على القطاع، فكان منها محاولة عام 2013، ومحاولة أخرى عام 2015 شارك فيها ناشطون وإعلاميون والرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، ونواب عرب في "الكنيست" الإسرائيلي، نجحت بالوصول إلى المياه الدولية لكن تم استهدافها من الاحتلال واعتقال من فيها، وكذلك كان هناك محاولة أخرى عام 2018، وفق العالول.

وأفاد بأنه يجري الإعداد لإطلاق قافلة برية وبحرية هذا الصيف، إذا توفرت كل التجهيزات اللوجستية لذلك، وأنهم يعدّون حملة من عدة مسارات، مسار قانوني لمحاولة محاكمة دولة الاحتلال على جريمتها بفرض الحصار كجريمة حرب، ومسار إغاثي يوفر الدعم والإسناد لسكان القطاع المحاصر، ومسار سياسي لتوعية الرأي العام من برلمانيين وسياسيين.

وفي مرفأ ميناء الصيادين بغزة، شيّد نصب تذكاري يُخلّد ذكرى شهداء سفينة "مافي مرمرة" التي كانت شاهدة على جريمة دارت رحاها في عرض البحر، في أسفله نقشت أسماء الشهداء الأتراك، لكنها قبل ذلك شيّعت في قلوب أبناء غزة ونقشت في قلوبهم.