للمرة الأولى ومنذ تعيينه قائدًا لجيش الاحتلال، أعلن هآرتسي هاليفي، عن خطته متعددة السنوات، وعبّر فيها عن رؤيته وفلسفته إزاء الجيش، والبيئة التهديدية والفرص والعراقيل المستقبلية أمامه، دون الإعلان عن اسمها بعد، ربما لعدم اكتمال محاورها.
تأتي هذه الخطة باعتبارها تكميلية، ويمكن وصفها بأنها طابق ثالث لخطة "جدعون" التي أعدها القائد الأسبق للجيش غادي آيزنكوت، وخطة القائد السابق أفيف كوخافي المسماة "تنوفا"، وترتكز على عدة مفاهيم: المعرفة، الدقة، القوة، الحرب النفسية، الجغرافيا المعقدة، والمرونة.
مع العلم أن هاليفي، وهو يذكر أهم معالم خطته في خطابه بمؤتمر هرتسليا، ذكر أنها تنشغل في عدة مجالات رئيسية، هي: بناء الجيش، إيران والحرب متعددة الجبهات، المناورة الحديثة، الحدود الآمنة، الثقافة والمسؤولية والمبادرة للجندي في الميدان.
بدا لافتًا أن ما أعلنه هاليفي لم يحز على نشر كبير في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بالرغم من أنها المرة الأولى التي يتحدث بها، ويكشف عن بعض تفاصيلها، ربما رغبة بالانتظار لتجهيزها بصورة كاملة، أو يجري الاحتفاظ بمسودتها الأساسية بصورة سرية لدى دائرة الأبحاث في هيئة أركان الجيش.
يتزامن حديث هاليفي عن محاور خطة الجيش القادمة في وقت يواجه فيه جملة من التحديات العسكرية والأمنية المحيطة بالدولة، ويتوقع نشوب أي مواجهة على الجبهات القتالية المرشحة: الشمالية والجنوبية والبعيدة.
يمكن الحديث بصورة أولية أن المحاور تكشف ضمنًا عن إستراتيجية الجيش فيما ينوي فعله في الأوضاع العادية والطوارئ والحروب، واعتبارها حجر الزاوية في مسار السلوك الأمني العسكري المرتقب للدولة في الفترة القادمة.
في الوقت ذاته فلعلّ هاليفي أراد من تسريب بعض من محاور خطته الإستراتيجية مخاطبة المستوى السياسي الإسرائيلي، والإيضاح له أن هذا ما يمكن أن تطلب فعله من الجيش، وهذا ما يمكن أن نوفره أو نحققه، لكن المطلوب من الحكومة والكابينيت، أن يحددا للجيش بدقة أهداف العمليات العسكرية، وتحت أي قيود يعملون، وأي ضغوط توضع عليهم عندما يعملون، وما النتائج المطلوبة.
لا يختلف اثنان على أن المحاور الأساسية التي أعلنها هاليفي أخذت بعين الاعتبار دروس الحروب الأخيرة، ولا سيما في غزة بين أعوام 2008-2023، إذ برزت فيها أخطاء نبعت من عدم فهم الأوامر بتحديد أهداف الحرب، وتعريف الحسم والانتصار، ولماذا يجب أن نطمح، وما حدود تقسيم الوظائف بين السياسي والعسكري.
يمكن التأكيد على أن المحاور الأولية التي أعلنها هاليفي موجهة لأعضاء الكابينت والجمهور، وكذلك لقوى المقاومة ودول المواجهة بهدف ردعهم، ما يجعلها أكثر من تعليمات ميدانية قتالية، وأقل من نظرية أمن قومي، لكنها تعد خطوة نوعية في تاريخ جيش الاحتلال جديرة بالتأمل والدراسة.