ينتمي رأفت ينتمي لعائلة كبيرة ولديه ستة من الإخوة، ومن الأخوات أربع، ويقول إنه يشعر بالوحدة رغم تواصله الدائم مع إخوته وزيارتهم من وقت لآخر، ولكنهم لا يبادلونه القدر نفسه من الاهتمام.
ويقول إنه منذ طفولته يشعر بأنه وحيد لا يحصل على الاهتمام الكافي من والدته التي تتمتع بشخصية قوية، وهو أيضًا، "لذا كانا في تنافر دائم، حتى رحلت بعيدًا واستأجرت بيتًا لوحدي. شعرت وكأنهم كانوا ينتظرون لحظة الخلاص مني، لم أشعر أني ترك فراغًا في البيت".
وتتميز العزلة عن الوحدة بقدرتك على اختيار الأولى، فيمكنك قضاء ليلة بمفردك، لتستمتع بخلوتك إلى نفسك، في حين تفرض الوحدة نفسها عليك، على الرغم من وجود عائلتك وأصدقائك من حولك.
يشير جون تي كاسيوبو مؤسس مركز جامعة شيكاغو لعلم الأعصاب الإدراكي والاجتماعي أنه قد يكون السبب في الشعور بالوحدة وراثي بنسبة 50%.
ويوضح كاسيوبو أن البيئة لها دور في الشعور بالوحدة بالرغم من وجود حب الأهل، "فهنالك عوامل مثل العيش في مكان مختلف مع الأهل لما تمتلك من ثقافة، ولغة أو عوامل فكرية مرتبطة بطريقة التفكير بنفسك، وكيف تشعر اتجاه نفسك، واتجاه العالم من حولك".
البيئة المحيطة
بدورها تبين الاختصاصية النفسية كفاية بركة أن طبيعة البيئة المحيطة بالشخص نفسه، فقد يكون الشخص عرضة للانتقاد المستمر من البيئة المحيطة، أو حتى الاستغلال المادي، أو يتعرض للعنف الجسدي، والنفسي، والعقاب.
وتوضح بركة لـ"فلسطين" أن الشخص يشعر بالوحدة بسبب إحساسه بفجوة، وفروق بينه وبين البيئة المحيطة بالإضافة لعدم الراحة أو التقبل، وافتعال المشاكل، والاختلاف بنظام الحياة كل ذلك قد يدفع الشخص للعزلة.
أما العوامل الشخصية، فتذكر أنها تتعلق بالشخص نفسه، ومنها عوامل صحية كمعاناة الشخص من مرض عضوي، أو نفسي يدفعه للعزلة لعدم تقبله تعاطف الآخرين، والذي قد يفسره على أنها شفقة.
وتضيف بركة: "بالإضافة للسمات الشخصية للفرد نفسه مثل كونه شخصًا انطوائيًّا يميل للعزلة ولا يحب التفاعل مع الآخرين نتيجة فقد ثقته بنفسه، وعدم قدرته على تأكيد ذاته في بعض المواقف لذلك يلجأ للعزلة خوفًا من التعرُّض للاستهزاء، والسخرية أو كون الشخص تجنّبي يميل لتجنب المناسبات".
وتلفت إلى أن الوحدة إما أن تكون مرحلية مؤقتة وإما مستمرة، فالأولى تنتهي خاصة عند المراهقين في بداية حياتهم، "فالمراهق قد يكون منعزلًا تمامًا لكن بالدور الإيجابي والدعم الأسري والأصدقاء والمدرسين تنتهي المرحلة ويعود المراهق للمشاركة والتفاعل مع الآخرين".
وتمضي بركة إلى القول: "في حالات أخرى قد يكون الميل إلى الوحدة مرحلة مستمرة كون الشخص فاقد للدعم والمساندة الاجتماعية، أو كونه يعاني من اضطراب نفسي يعزز لديه الشعور بالوحدة والانعزال الاجتماعي".
آثار نفسية
وتلفت إلى أن الآثار السلبية للوحدة، وأهمها الشعور بالقلق، والتوتر، والخوف، والحزن خاصة في المناسبات الشخصية فكونه منعزلًا فهذا يحرمه مشاركة الآخرين.
وتحذر الاختصاصية النفسية من أن الوحدة قد تسبب اضطرابات نفسية مع مرور الوقت مع وجود عوامل أخرى ضاغطة، "لأن الوحدة تتيح للفرد فرصة أكبر للتفكير والترقب والخوف من المستقبل، وهذا الأمر بحد ذاته يجعل الشخص يعاني من اضطراب الاكتئاب".
وعن الأمور التي يجب تجنبها للدخول في مرحلة الغربة عن الذات والبيئة المحيطة، تشدد بركة على أهمية تعزيز التواصل الإيجابي اللفظي والعاطفي مع أفراد الأسرة، وتخصيص وقت كافٍ يوميًّا ومناسب لممارسة أنشطة، أو المشاركة في أي عمل مع أفراد الأسرة، والمشاركة في المناسبات والزيارات الاجتماعية.
وتتابع بركة: "التسجيل أو الاشتراك بنوادٍ رياضية أو أي أماكن تدريبية لتلقي دورات وبناء شبكة اجتماعية داعمة من الأصدقاء، والزملاء بالعمل، مع البعد عن مواقع التواصل الاجتماعي قدر الإمكان خاصة الصفحات التي تعزز الأفكار السلبية تجاه الذات، وتمنع الشخص من التفاعل مع الآخرين".
وتؤكد دور الأسرة المهم في المتابعة والرقابة والتقليل قدر الإمكان من متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، والإدمان عليها، والعمل على تعزيز الأنشطة الاجتماعية قدر الإمكان.
كما حثت بركة الأهل على تعزيز ثقة أبنائهم بأنفسهم وتنمية مهاراتهم الشخصية التي تساعدهم على التواصل مع الآخرين دون تعرضهم للنقد والاستهزاء، وتخصيص وقت كافٍ للمشاركة في تنفيذ بعض الأنشطة الاجتماعية، لافتة إلى أن طلب الاستشارة من الاختصاصي النفسي تكون في حال استمرت العزلة طويلًا.