أصعب شيء في الحياة هو الفقد، وقد يكون الأصعب منه القدرة على التعبير عن المفقود، صحيح أن الدنيا لم ولن تقف عند أحد، وأن البقاء لله، إلا أن بعض الراحلين يتركون في القلب غصة، وفي الساحة فراغ كبير.
إن وفاة الحاج إبراهيم أبو سليم "أبو مراد" عضو المجلس الوطني الفلسطيني والنائب الأول لرئيس اتحاد كرة القدم، تركت جرحًا غائرًا في قلوب كل الرياضيين، ولا سيما العارفين بتفاصيل الرياضة الفلسطينية عامة وفي غزة على وجه الخصوص.
إن وفاة الراحل إبراهيم أبو سليم تنفيذ لقدر الله وقضائه، وهو ما يُخفف عن الجميع فقدانه، ولكن رحيله سيبقى على المستوى الرياضي مؤلم بسبب ما سيتركه من فراغ كبير، ولا سيما في ظل الظروف التي نمر بها من انقسام منذ عام 2007.
قد يعتقد القارئ أو بعض القراء أن هناك مبالغة كبيرة في تضخيم حجم تأثير غياب ورحيل إبراهيم أبو سليم، وكأن الساحة الرياضية الفلسطينية عامة وفي غزة على وجه الخصوص غير ولّادة، ولكن الأمر مختلف تمامًا عمّا يعتقد البعض.
فعلى مدى عقود طويلة منذ النكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا، كانت الحركة الرياضية الفلسطينية حركة ثابتة على قواعد متينة وأسس ونهج غير مرتبطة بأشخاص، وهو ما أثبتته كل الأحداث التي مرت على غزة من 75 عامًا.
غزة ليست كغيرها من المناطق وبعض الدول التي ترتبط باسم ومكانة شخص، لأن كل الأشخاص والكوادر الرياضية وغير الرياضية الذين مروا على غزة لم يعملوا من أجل مصالحهم بقدر ما عملوا وسيعملون لتحقيق المصلحة العامة، وهذا أساس قوة البناء وبقائه صامدًا في ظل كل عوامل التعرية.
فقد رحل الكثيرون عن الساحة الوطنية والسياسية والحزبية والرياضية في غزة، ولكن شيئًا لم يختلف، وقد يكون رحيلهم زاد من عطاء من أتوا بعدهم، لأنهم تعلموا وساروا على الدرب نفسه، وهنا لا داعي لذكر أسماء من رحلوا وبقت ذكراهم وبصماتهم حتى يومنا هذا.
ولكن في حالة الراحل إبراهيم أبو سليم، قد يكون الأمر مختلفًا حتى ولو بقليل، مع أنني أرى أن هناك اختلافًا ليس بالقليل، ولا سيما في ظل حالة الانقسام التي مرت بها غزة.
فبعد الانقسام لم يكن كما قبله، ولا سيما أن هناك من أراد أن يُعاقب كل من عاش ويعيش في غزة على الانقسام التي لا ذنب لها ولا لمن يعيش فيها به، فكانت فكرة الوفاق الرياضي التي أعادت الحياة والأمل إلى الساحة الرياضية في غزة، بعدما توقف النشاط الرياضي قرابة السنوات الثلاث.
لقد كان لهذا الوفاق الذي له ما له وعليه ما عليه، كان رجال ضحوا بالكثير من أجل إزاحة الغيوم السوداء من سماء الرياضة، ونجحوا بإقناع الأغلبية بضرورة العمل من أجل تجنيب الرياضة ويلات الانقسام.
تلك الفترة الصعبة بعد عام 2007 وحتى اليوم، كانت وما تزال الرياضة بحاجة إلى رجل حكيم يتمتع بسمعة طيبة وتاريخ رياضي واجتماعي كبير، واحترام بين صفوف الرياضيين من أجل قيادة السفينة.
ولم يكن اكتساب الراحل إبراهيم أبو سليم للقب "حكيم الرياضة" مجرد اكتساب للقب، بل كانت صفة من صفاته، ولولاها لما كان حال الرياضة بعد 16 سنة من الانقسام بهذه الصورة الطيبة التي كنا وما زلنا نطمح بأن تكون أزهى وأبهج مما عليه الآن، إلا أنها صورة جميلة قياسًا مع الواقع المرير.
إن انتظام البطولات الكروية في غزة المحاصرة على مدار 13 عامًا متتاليًا، لم يكن ليتحقق لولا عناصر قليلة من عناصر وعوامل النجاح، منها الراحل إبراهيم أبو سليم، الذي ترأس أهم وأبرز اتحاد رياضي وهو اتحاد كرة القدم.
الجميع بعلم أن الساحة الرياضية ساحة مختلطة وملونة ومختلفة الثقافات، فتجد المثقف والمتعلم والحريص على المصلحة العامة، وفي مقابلهم تجد العكس تمامًا، وهو ما يجعل من تعامل القائد مع هذا الخليط غير المتجانس أمر غاية في الصعوبة.
فنجح أبو مراد في امتصاص كل الصدمات وكل الهجمات المرتدة، بحكمة وعقل متزن وقلب طيب وكبير، وقطع الطريق على الكثير ممن حاولوا حرف البوصلة لأغراض لا أريد وصفها الآن.
رحم الله الراحل أبو مراد، وألهمنا وألهم ذويه الصبر والسلوان، وعوضنا الله خيرًا منه.