بعد أيام قليلة من خسارتهم في معركة ثأر الأحرار أمام المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة استفز آلاف اليهود الشعب الفلسطيني بما يسمى مسيرة الأعلام. وزراء وأعضاء كنيست شاركوا في التهريج الاستفزازي وتدنيس المقدسات الإسلامية، ولكن هل كانوا حينها يشعرون حقيقةً بالفرح والبهجة والانتصار على الشعب الفلسطيني لأنهم نجحوا في تمرير المسيرة؟ أعتقد أن الرعب كان يتلبسهم طيلة فترة وجودهم في المسجد الأقصى خشية استهدافهم من شباب القدس والضفة الغربية أو خشية ضربهم بصواريخ المقاومة.
أنْ يصبح تدنيس الأقصى واقتحامه من أهم "الانتصارات" بالنسبة لحكومة نتنياهو الإرهابية و للوزير الإسرائيلي الأكثر تطرفًا إيتمار بن غفير وغيره من الوزراء وأعضاء الكنيست والمستوطنين فهذا يدل على عدة أشياء أهمها أن سقف أحلام المحتل قد تداعى دراماتيكيًا من إقامة كيان إسرائيلي من النيل للفرات إلى النجاح في تمرير مسيرة أعلام واجتياز المنطقة الواقعة بين باب العمود وحائط البراق، كما يدل ذلك على أن غزة لم تعد متاحة لقادة الكيان وجيش الاحتلال الإسرائيلي لإظهار قوتهم وسيطرتهم أمام مجتمعهم ولا سيما قبل كل انتخابات إسرائيلية، إذ أصبح الاعتداء على غزة يعني الرعب والشلل والملاجئ والهوس لملايين الإسرائيليين، وبالتالي لم يعد أمام الاحتلال الإسرائيلي إلا استباحة المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وكذلك تدنيس المقدسات.
إن نجاحهم في تمرير مسيرة الأعلام لا يعني انتصارهم ولا يعني حسم قضية المقدسات لصالحهم فهذه مجرد أوهام، وهم يعرفون أن صاحب الحق هو من يرابط في الأقصى ويدافع عنه بالحجارة ويعرض حياته للخطر لعلمه أن الدفاع عن الأقصى من أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله، أما المغتصب فهو من يحاول أن يدنس مقدساتنا بعد اتخاذ إجراءات أمنية مشددة ضد الفلسطينيين وبحماية جيش مدجج بالسلاح، وإن واجهوا أي خطر يفرون فرارهم من الطاعون، وهنا لا بد من التذكير أن المسجد الأقصى تعرض إلى حالات أشد من التدنيس زمن الاحتلال الصليبي، إذ حولوا أجزاء منه إلى إسطبلات للخيول لشدة ضعف المسلمين حينها ولكن هل يجرؤ المحتل الاسرائيلي على فعل ذلك؟ لا ولن يجرؤ وسيتم دحره وتحرير القدس وفلسطين كلها مرة أخرى بمجاهدين أولي بأس شديد.
هناك سؤال يطرحه الواثقون بالمقاومة ويطرحه المشككون بها ولكل دوافعه وهو: لماذا لم تتدخل المقاومة في غزة لمنع مسيرة الأعلام الإسرائيلية؟ الجواب من وجهة نظري الشخصية هو أن المقاومة في قطاع غزة غير مطالبة بإطلاق صواريخ أو إعلان الحرب تبعًا لرغبة المواطنين ومشاعرهم؛ ردًّا على مسيرة الأعلام الإسرائيلية رغم ما فيها من استفزازات، فالحرب تحتاج إلى قرار توافقي لفصائل المقاومة بعد الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة، إطلاق الصواريخ ليس الخيار الوحيد الذي تملكه، والمقاومة لم تحصر نفسها فقط في غزة بل هي متجذرة في الضفة الغربية أيضًا ويمكنها أن تتحرك وقد يأتي الرد على مسيرة الأعلام لاحقًا من الضفة الغربية، وقد تطلق الصواريخ في أي لحظة، ولكن المهم في الموضوع هو عدم الإصغاء لمن يحاولون تضليل الشعب الفلسطيني والتشكيك بالمقاومة أو في معادلة الردع التي فرضتها على الاحتلال، إذ إن هذه الأسئلة غير البريئة تتكرر بين كل معركة وأخرى ويثبت أنهم على خطأ وأن المقاومة في كل حرب تكون أقوى وأشد على الاحتلال الذي اقتربت نهايته.