تجهّز المقدسية منى بربر (50 عاما) برنامجها ليوم غد الخميس الذي سيصادف ما يسميه الاحتلال "يوم توحيد القدس"، ففي الصباح ستذهب إلى المسجد الأقصى المبارك، ثم تنتقل في ساعات الظهر إلى البلدة القديمة، وبعدها إلى مدرجات باب العامود عصرا. وتقول إن المقدسيين مصرّون على الاحتشاد في هذه الأماكن في "تحدي سنوي".
ومثل منى، يترقب الفلسطينيون عامة مخططات الاحتلال لـ"يوم توحيد القدس"؛ وهو من مناسبات الاحتلالية التي يدفع ثمنها نحو 40 ألف مقدسي يعيشون في البلدة القديمة، بالإضافة إلى كثيرين ممن يرفضون الخضوع للإجراءات التعسفية، ويصرون على الوجود في باب العامود ومحيطه للتصدي لمسيرة الأعلام الاحتلالية التي تُعد الاحتفالية الأبرز بهذه المناسبة.
واعتاد المقدسيون على مواجهة آلاف الأعلام التي يلوّح بها المستوطنون برفع كوفيتهم وعلمهم الفلسطيني وسط حالة من القمع والملاحقة من شرطة الاحتلال، التي دأبت على تفريغ مدرجات باب العامود (أحد أبواب البلدة القديمة للقدس) وساحته ومحيطه عبر نصب السواتر الحديدية وفرق الخيالة والقوات الخاصة.
حماية القدس والمقدسات
وفي حديثها للجزيرة نت، تقول منى بربر "هناك وجوه مقدسية نراها بشكل سنوي في المكان ذاته وبالهمّة نفسها، وكأنها أخذت على نفسها عهدا بحماية القدس والمسجد الأقصى من التدنيس والتشويه".
وفي سبيل الوجود في باب العامود ورفع العلم والكوفية الفلسطينية بوجه المستوطنين، تعرّضت منى لكثير من الاعتداءات كالضرب والاعتقال والتوقيف، لكن ذلك لا يثنيها عن الوجود أمام المسيرات الاستيطانية كل سنة.
وفي العام الماضي 2022، أصرّت هذه السيدة المقدسية على الوجود في باب العامود، رغم كسور في يدها اليمنى أصيبت بها خلال الاعتداء على جنازة مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة قبل أيام من مسيرة الأعلام.
وقالت "رفعتُ العلم الفلسطيني وفوجئت بفتيين من المستوطنين يخطفانه ويحاولان إحراقه.. شعرت بقهر عميق وبكيت، لكن سرعان ما انتعشتُ بعد مبادرة أحد المقدسيين بإطلاق طائرة مسيرة صغيرة حملت العلم الفلسطيني الذي رفرف فوق آلاف الأعلام الإسرائيلية".
ساحة مواجهة متجددة
رغم آلام المفاصل والأمراض المزمنة، تصرّ المقدسية فاطمة خضر (65 عاما) هي الأخرى على الوجود في باب العامود سنويا، "لنقول لهم إن القدس عربية وهي عاصمة فلسطين وإن هذه البلاد لنا وليست لهم".
في سبيل التصدي لهذه المسيرة، تعرضت فاطمة لاعتداءات كثيرة من شرطة الاحتلال والمستوطنين المشاركين في المسيرة، ورغم عمق الألم الذي تشعر به عندما تعج ساحة باب العامود ومدرجاته بالأعلام الإسرائيلية، فإنها ترى أن الخروج من بيتها والتصدي لهم في ذلك اليوم واجب وطني. وتضيف "عندما أرى أعلامهم ترفرف أمامي أنا يمّا بمرض".
وكما هو متوقع، لن تسلَم منى وفاطمة من الاعتداءات هذا العام كما كل مقدسي سيصر على الوجود في البلدة القديمة ومحيطها خلال احتفال عشرات آلاف المستوطنين بما يُعرف بـ"يوم توحيد القدس"، الذي تحيي فيه إسرائيل ذكرى احتلالها الشطر الشرقي من المدينة عام 1967.
مسارات جديدة لمسيرة الأعلام
وستنطلق مسيرة الأعلام من غربي القدس المحتلة باتجاه حائط البراق (في السور الغربي للمسجد الأقصى)، وسيسلك المستوطنون مسارين، الأول: يدخل البلدة القديمة من باب العامود حيث يتجمع المتطرفون ويؤدون رقصات استفزازية بالأعلام، ثم يمرون من الحي الإسلامي عبر طريق الواد نحو محطة الاحتفال الأخيرة (ساحة البراق). في حين سيدخل المسار الثاني من باب الخليل (أحد أبواب البلدة القديمة)، مرورا بالحي الأرميني إلى ساحة البراق.
ولأول مرة منذ تنظيم المسيرة، أعلن أرييه كينغ نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، في تغريدة له على تويتر، عن مسارات جديدة لمسيرة الأعلام.
ودعا كينغ المشاركين إلى سلوك عدة مسارات، منها: طريق جبل المشارف خروجا من مستوطنة "بيت أوروت" في حي الصوانة، وطريق جبل الزيتون خروجا من مستوطنة "هار هزيتيم" في حي رأس العامود.
ولتأمين مسيرة الأعلام ومرورها من باب العامود والبلدة القديمة، تستعد شرطة الاحتلال لنشر الآلاف من عناصرها. ومن المتوقع أن يشارك في المسيرة كل من وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بالإضافة لوزراء الإعلام وحماية البيئة والاستيعاب والتراث وغيرهم.