صوت انفجار يدوي في حي الدرج شرق مدينة غزة، كانت الساعة الرابعة من العاشر من مايو/ أيار الماضي، سحابة دخان أسود تغطي المكان، أصوات استنجاد وآهات يتردد صداها داخل بيت عائلة عليان، وأصوات صراخ الجيران تضج بالشارع، كلهم يهرعون نحو البيت.
مع كل هذا الضجيج لم تستوعب العائلة الصدمة بعد، ولم يعرفوا أنهم الهدف، إلا حينما تجمع الجيران لنجدتهم داخل بيت جودت عليان الذي يقع في الطابق الرابع الأكثر تضررًا.
كان يزن (17 عامًا) يجلس في غرفته يذاكر دروسه استعدادًا للاختبارات النهائية لمرحلة الصف الحادي عشر، الفرع العلمي في المعهد الأزهري، وإذ بالصاروخ يردم جدار غرفته فوق جسده، ويرديه شهيدًا على الفور.
أما أبوه جودت، ووالدته، وأخوه عبد الله أصيبوا جميعاً بشظايا الصاروخ، فجأة يقتحم عمه "جودة" الشقة السكنية الواقعة في حي الصحابة شرق مدينة غزة، ويستجمع قواه على الرغم من إصابته في ظهره، ويهرع بمساعدة الجيران، بابن أخيه يزن إلى مجمع الشفاء الطبي، الجميع يرتقب خارج غرفة الإنعاش على أمل إفاقة يزن.
وضع الأطباء جهاز صدمات القلب على صدر يزن لعله يعود للخفقان مجددًا، ولكن لم تجدِ كل المحاولات نفعًا، فقد غادر قلب يزن الحياة منذ اللحظة الأولى.
تشتت جمع عائلة عليان بين غرف المستشفى، أدخل والده جودت غرفة العمليات وأجريت له عملية في قدمه، وزرع له جهاز بلاتين، وتم إزالة شظايا من ظهره ويده، وكل هذا الوقت ولم يعرف أن فلذة كبده وآخر أبنائه قد استشهد، وفق شهادة أخيه جودة.
الموت بشرف أو العيش بكرامة
يقول جودة لـ"فلسطين": "الكل كان خائفًا من إخبار أخي جودت باستشهاد يزن، وينادي بابنه عبد الله ويخبره بالاعتناء بوالدته، وطمأنت أخته حلا التي تدرس الهندسة في الخارج بأنه بخير".
ويتابع: "طلب مني أن آتيه بنعش يزن إليه لكي يودعه الوداع الأخير.. ودعه بثبات منقطع النظير، مسلمًا بقضاء الله وقدره، موقنًا بأن استشهاده اصطفاء وكرامة من الله".
اللحظات الأخيرة التي جمعت جودت بنجله يزن، رصدتها كاميرات الصحفيين، إذ تداول شبكات التواصل الاجتماعي مقطعًا مصورًا له وهو يودعه من على سرير الشفاء بصبر، ورباطة جأش، ويهمس في أذنه: "الله يسهل عليك يا حبيبي، ربنا اصطفاك عريس".
"الاحتلال هو السبب في مقتل يزن، في النهاية الموت مكتوب علينا جميعًا، فإما الموت بشرف أو العيش بكرامة. الاحتلال حتمًا إلى زوال شاء من شاء وأبى من أبى، والمتخاذلين إلى مزابل التاريخ"، يضيف جودت (47 عامًا) وهو يحدث الصحفيين عن واقعة استشهاد ابنه.
ومن على سرير الشفاء دعا جودت إلى الوحدة، والاعتصام بحبل الله، والسير على نهج كتاب الله، وسنة رسوله، لكي تسود المحبة التي ستقود الشعب الفلسطيني إلى الانتصار.
طالب يتمناه كل معلم
عرف يزن بضحكة لا تفارق محياه، يبش بوجه كل من يقابله، هادئ، خلوق، يقضي معظم الوقت ما بين البيت للمذاكرة، والمسجد لحفظ القرآن الكريم، يقول عمه، مضيفًا: إن الفتى الشهيد يحفظ 15 جزءًا من القرآن الكريم، وكان يستعد لإتمامه في الإجازة الصيفية بعد انقضاء الامتحانات النهائية للعام الدراسي الحالي.
وعن الطالب الذي لمع صيته في الأخلاق لمن عرفه، تقول مدربة اللغة الإنجليزية في معهد "أمديست" في غزة نور غانم: "يزن طالب يتمناه أي معلم، صاحب روح خفيفة وضحكة حلوة. حصل على منحة أكسس لتعلم اللغة، التي تختار أفضل الطلبة على المستوى العلمي، للانضمام لبرنامج تعلم الإنجليزية ومدته عام ونصف، وكان من المفترض التخرج منه في شهر أيلول/ سبتمبر".
وتشير إلى أنه ولشدة رغبته بتعلم اللغة، رفض يزن طلبها التوقف عن حضور دروس اللغة حتى انتهاء امتحانات المعهد الأزهري.
تقول المعلمة: إن المعهد سيفتقد طالبًا متفانيًا، خدومًا لزملائه، مستذكرة آخر لقاء جمعها به الجمعة الماضية عندما أصر على أن تتناول معه وزملائه الكعك والشاي.
عرف عن الفتى الشهيد تشجيعه القوي لفريق نادي برشلونة، ويحمل في حقيبته ورقة عليها علم الأرجنتين لحبه لميسي، ودائماً يعلق علم الأرجنتين وشعار النادي الإسباني في الصف لشدة تعلقه به، تضيف المعلمة غانم.