فلسطين أون لاين

تقرير السبعيني عودة.. عقدةٌ في منشار الاستيطان في بلدة "ترمسعيا"

...
بلدة ترمسعيا
رام الله/ غزة-فاطمة الزهراء العويني:

بدأت الحرب بين المواطن الفلسطيني عودة أبو عواد والاستيطان في وقتٍ مبكر جدًا، إذْ تعود البدايات لوقت إنشاء الاحتلال الإسرائيلي لمستوطنة "شيلو" عام 1978م، التي استولت على غالبية أراضي بلدة ترمسعيا التي غاب عنها معظم أهلها المغتربين، لكنّ بيت أبو عواد كان وما زال كالعقدة في منشار محاولات "شيلو" في مزيدٍ من التغول في أراضي البلدة.

وبالرغم من أن الثمن الباهظ الذي دفعه أبو عواد وأشقاؤه وأبناؤه، إذ لا مقوّمات لحياة طبيعية في البلدة، إلا أنهم مصممون على الاستمرار في الصمود وعدم ترك منزلهم مهما كلفهم ذلك من ثمن، "فحتى الروح مستعدٌ لدفعها رخيصة على أنْ أترك أرضي"، يقول أبو عواد لـ "فلسطين".

ضغوط وترهيب

وصمد عودة (71 عامًا) أكثر من خمسين عامًا وهو يقارعُ مخرز الاستيطان، "لم يتركوني أهنأ بالراحة في منزلي ولو ليوم واحد، فهل أتركه لهم بعد أنْ جاوزتُ السبعين من العمر؟!".

ففي ظروف معيشية صعبة وبلا خطوط كهرباء أو ماء، ظلّ عودة صامدًا في منزله لعشرات السنين حتى أصبح أبناؤه شبابًا وتزوجوا وجلبوا زوجاتهم للعيش في منزلهم الذي عاشوا فيه طفولتهم وشبابهم وتشربوا من والدهم تمسكهم به وبأرضهم في سهل ترمسعيا الفسيح.

شيئًا فشيئًا كبُرت عائلة أبو عواد وضاق المنزل على مَنْ فيه من أفراد لكنه بقي "فسيحًا" بصمودهم وتحديهم للاحتلال، "حتى زوجات أبنائي يُشاركنني الصمود والتحدي والإصرار على البقاء في المنزل وعدم التنازل عنه للاحتلال".

ويأتي لمنزل أبو عواد فلسطينيون متضامنون من رام الله والقدس ومختلف مدن الضفة الغربية يبيتون ليلهم معه، ويكونون عونًا له في التصدي لاعتداءات المستوطنين في الليل، "الجميع هنا يدعم صمودي، أهل بلدتي وكل مَنْ يعرف بقصتي يأتون لمساندتي".

لكنّ الضغوط التي يمارسها الاحتلال على عائلة أبو عواد كبيرة جدًا، فمنزله لا يبعد سوى عشرة أمتار عن مستوطنة "شيلو" ومصانعها، لذلك يمنع الاحتلال أي أعمال بناء أو توسعة في بيته، "بنيتُ عدة بيوت ومزارع في أرضي، جميعها هدمها الاحتلال الذي بقي عاجزًا عن هدم البيت الأساسي المرخص له منذ عام 1969م".

دفاع بالدم

وتبلغ مساحة بلدة "ترمسعيا" 18 ألف دونم، ومساحة سهل البلدة نحو 3 آلاف دونم، ويبلغ عدد المتحدرين منها نحو 12 ألف نسمة، يعيش قسم كبير منهم في المهجر ويزورون البلدة بين الحين والآخر.

ومطامع الاحتلال في السهل الفسيح الواقع في منطقة جبلية مرتفعة تجعله ذا قيمة "أمنية إسرائيلية بالغة" تحيط به أربع من المستوطنات يقف دون إتمامها منزل أبو عواد الذي استشهد شقيقه في عام 1988م في سبيل الدفاع عنه، "فنحن وسط سلسلة جبلية، من الغرب نرى البحر الأحمر ومن الشرق البحر الميت".

يقول: "توفي أبي وأمي وشقيقتي وهم ينافحون عن أرضنا هنا، وأنا وأبنائي الآن مستمرون على عهدهم، نعاني كل يوم، نبني فيهدمون، يصادرون السيارات ويتلفونها، يتلفون "تنكات المياه"، يعتدون علينا ليلًا ونهارًا، فلا يملون ولا نمل".

وقد حرم الاحتلال طوال السنين الفائتة المسن عواد من الكهرباء وحتى عندما امتلك ألواحًا للطاقة الشمسية أتلفها عدة مرات، "حرمونا من المياه، فصرت أعتمدُ في توفيرها على مياه الأمطار التي أجمّعها في ستة آبار موجودة في أرضي".

طريق خاصة

ويدعم أهل البلدة صمود عائلة أبو عواد بقوة، "فالسيطرة على منزلي وأرضي تعني سيطرة الاحتلال على مئات الدونمات وتحويل مكانه لبوابة يُحْكمون عبرها الخناق على البلدة".

ويتعامل الاحتلال مع "أبو عواد" كجسم غريب في محيط المستوطنة، إذ شقّوا له ولأسرته طريقًا تصلهم بالبلدة مباشرة يدخلون ويخرجون منها، ويمنعهم من التحرك يمنةً أو يسرةً باتجاه المستوطنة. يمر هذا الطريق وسط كروم العنب، ويجعلهم عرضة للاستهداف من أي مستوطن في أثناء تنقلهم عبر الطريق.

وسبق أن صادرت سلطات الاحتلال مواشي أبو عواد ومنعته من الرعي، بعد أنْ استولى على الأراضي التي ترعى فيها أغنامه.

ويلفت إلى أن الاحتلال عندما عجز عن اقتلاعه بالترهيب، حاول منذ مدة ترغيبه ببيع أرضه وبيته مقابل شيك مفتوح يكتب فيه الثمن الذي يريده، "لكني رفضتُ ذلك رفضًا تامًّا".

ويقول: "أرضنا عرضنا، هذا بيتي وبيت أبوي، وحقي فيه أصيل وثابت مهما كان الثمن، هذا اللي ربيت أولادي عليه، وهم اليوم بيربوا عليه أولادهم".