إن الاختلاف آية من آيات الله سبحانه وتعالى في الكون, ويعد وجود التنوع بين الكائنات والموجودات في الحياة قدرا, كتبه الله في الدين شرعا, فمكونات الطبيعة تختلف, والحيوانات تختلف, وكذلك الناس يختلفون, حيث اختلفت الألسن والألوان والملامح ظاهريا واختلفت الأنفس والطباع , والأفكار داخليا. والحياة دون هذا الاختلاف رتيبة مملة, مكررة, مكروهة.
"وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ " (الروم: 22)
يعتبر وقوع الاختلاف بين الناس أمرًا ضروريًا لابد منه, لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم. ويعد الاختلاف بين الأزواج أكثر الخلافات التي تؤثر على المجتمعات, حيث يهدم البنية الأساسية للمجتمع إن تفاقم, ويدمر الأجيال التالية إن لم تغلفه آدابه.
ودعونا نعترف أن الاختلاف وارد بين أي اثنين على أي شيء, ثم دعونا نتفق على أن الاختلاف بين الأزواج أمر حتمي ومن الحكمة ألا يتطور حتى لا يؤثر على الحياة الزوجية بالسلب, خاصة لو كان الزواج في بدايته, أو يؤثر على الأبناء وصحتهم النفسية فيما بعد. وبالرغم من أضرار الخلاف بين الأزواج إلا أنه له منافعه التي تظهر حقيقة تفكير كل منهما للآخر دون تكلف أو تظاهر. وتسلط الضوء على نقاط الإزعاج عند كل منها وتوجههما نحو طريق التفاهم والانسجام عند تلافي هذه الخلافات ودرء حدوثها.
في دراسة حديثة أجريت في سويسرا أكدت على أهمية الخلافات الزوجية, وأوضحت أن الخلافات الزوجية لها فوائد، حيث تعتبر فرصة حقيقية ليتعرف من خلالها كل من الزوجين عما يغضب الطرف الآخر ويزعجه.
لماذا يختلف الأزواج؟ سؤال لابد من مناقشته بين أي اثنين مقبلين على الزواج, ومما لا شك فيه أنهما سيختلفان عند التسرع في الحكم على الكلام والمواقف, وعند انعدام الثقة بينهما, وسيكون الروتين اليومي ورتابة الحياة سببا أكيدا للخلاف, وكذلك إن ضغطتهما الحالة الاقتصادية ومشاكل العمل. ويكبر الخلاف ويتضخم إن كان لديهما صورة خيالية للعلاقة الزوجية بعيدة عن الواقع. وسيختلفان إن تفرغ كل منهما للبحث عن عيوب الآخر وانتقاده وإن زادت الغيرة عن حدها المقبول, كما سيختلفان كثيرا حول طريقة تربية الأبناء وإدارة الموارد المالية ومصارفها, وسيكون لكلاهما رأيه الخاص في كل مواضع الخلاف. ويعترف جميع الأزواج أن التفاهم يتطلب التضحية, لكن الفشل يأتي عند توقع أن تأتي التضحية من الطرف الآخر، وهنا عليهم التحاور لإيجاد الحلول لمواضع الخلاف حتى لا يتطور الأمر إلى معركة لإثبات الأقوى أو عداء يفضي إذا ما تراكم إلى الطلاق.
"الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء، وإلا لكنت أنا وزوجتي ألد الأعداء"
المهاتما غاندي
لابد أن يبحث الأزواج عن الوسائل التي تحفظ الرباط المقدس بينهم، وأهم هذه الوسائل حفظ أسرار الأسرة وعدم إدخال طرف ثالث في المشكلة والتغاضي عن الهفوات، إذ يعتبر التغاضي شريعة الحياة الزوجية, وكذلك عدم إلقاء اللوم على الآخر والصفح والتضحية، والدفع بالتي هي أحسن وحسن الظن والإنصات، بحيث يمنح الطرف الآخر الفرصة لإبداء الرأي والدفاع عن نفسه. عندها تكون كل المشاكل قابلة للحل إن نظر الأزواج إليها على أنها قضية أخذ وعطاء لا قضية انتصار وهزيمة.
"الرجل الذي لا يغفر للمرأة هفواتها الصغيرة لا يتمتع بفضائلها الكبيرة"
جبران خليل جبران
كما قدّر الله الاختلاف, ووضع له قوانين ضبطه الكونية والنفسية السلوكية, وما دام الاختلاف بين البشر طبيعيا, وجب علينا أن نتعامل معه بعقلانية وذكاء لتوظيفه واستغلاله, فأخلاقيات الاختلاف تفرض نقدا عادلا يتجه للأفكار لا للأشخاص, ويبتعد عن الاتهام والخصام ويحتكم للشرع والثوابت الدينية, وليدرك الأزواج أن التوافق بينهما ليس منحة مجانية يحصل عليها البعض بالحظ ويحرم آخرون منها بالصدفة، وإنما هو جهد متواصل يبذله الأزواج عن سابق تصميم وإصرار حتى يعطي ثماره.