فلسطين أون لاين

عرسان يرجئون مراسم "توديع العزوبية" حتى "لملمة الجراح"

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

على مدار أسبوع قبل موعد حفل الزفاف وسهرة الشباب المقررة مساء الثلاثاء الموافق 9 مايو/ أيار الجاري، انهمك العريس عوني مشتهى بتجهيز دعوات الفرح وحصر المعازيم والأصدقاء الذين ينوي دعوتهم لحضور حفل زفافه، فضلًا عن حجز صالة الفرح المقرر اليوم الخميس، وكذلك المسرح الخاص بحفلة الشباب وشراء كامل الأغراض والمستلزمات اللازمة بالفرح.

مساء الاثنين، اجتمعت والدته بنساء العائلة وانتهين من إعداد طبق "السماقية" الشعبي، الذي يزين المناسبات الفلسطينية السعيدة، عزفت حناجرهن الأهازيج الشعبية التراثية وصدحت بالزغاريد، كان الفرح يرتسم على ملامحهن، وكان المجلس النسوي حافلًا بالحوارات وتبادل التهاني والتبريكات التي انهالت عليه: "مبارك يا عريس" استعدادًا للفرح المرتقب وتوزيع هذه الأطباق في حفلة "توديع العزوبية" لنجلها.

مراسم تغيرت 

الثلاثاء الماضي، أطل صباحه حزينًا على غزة، مخضبًا برائحة الدم وجنازات تشييع الشهداء، وفتح بيوت العزاء في كل مكان، فما كان من العريس مشتهى إلا احترام الدماء النازفة والتعاطف مع أبناء شعبه بقلب يعتصره الحزن واتخاذه قرارًا بتأجيل فرحة انتظرها بفارغ الصبر وفاءً لدماء الشهداء.

يقول مشتهى بنبرة حزنٍ وتسليم بقضاء الله لصحيفة "فلسطين": "رتبت فرحتي كأي عريس ينتظر هذه المناسبة، وغفوتُ مساء الاثنين منتظرًا فرحتي بحفل المديح النبوي (سهرة الشباب) وعرس زفافي بعده بيومين، فأفقت على العدوان وتغير مسار الفرحة، فكان قرار التأجيل حاضرا صونا للدماء واكراما لأرواح الشهداء لحين استقرار الأوضاع".

بالرغم من أن مشتهى أعلن التأجيل بحزن شديد إلا أنه يحتسب أجر ذلك عند المولى عز وجل، متممًا: "ما خسرته لا يساوي شيئًا أمام كل قطرة دم نزفت من أبناء شعبي، وهذه خسائر معوضة… وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير".

بكلمات ممتلئة بالتحدي على إعادة رسم هذه الفرحة من جديد، أضاف مشتهى بنبرة إصرار: "رغمًا عن أنف الاحتلال سنعيد رسم وهج أفراحنا التي أطفأها العدوان الإسرائيلي، وسنعيد بث الفرح في قلوب امتلأت بالحزن على أرواح الشهداء".

آخر العنقود 

هنا وعلى مدار شهر كامل كانت عائلة "زهد" تستعد لحفل زفاف آخر بناتهم العروس "منى"، جهزت العائلة حفل "الحناء" واستأجرت متطلبات الفرح من (كوشة) وجاتوه وبدلة الفرح، وعلقت حبال الزينة على جدران المنزل وتدلت من سقفه، فتحول إلى صالة أفراح مصغرة.

ضمن تلك الاستعدادات استأجر شقيقها عبد الباسط وباقي أخوته بدلاً رسمية لمشاركة شقيقتهم فرحتها، وطبعت كروت الأفراح، الجميع تجهز لتلك المراسم المرتقبة، قبل أن يستيقظ واعلى خبر مؤلم وحزن يعم الشعب الفلسطيني في غزة بوداع الشهداء، وأعلن عبد الباسط عبر صفحته على فيسبوك عن تأجيل الفرح.

"لا شك أن تأجيل الفرح كان مؤلمًا لنا، بعد الاستعدادات الطويلة وتكاليف الفرح، لكننا وكوننا جزء من الشعب لا يمكن أن نفرح وجزء من الشعب حزين، فأجلنا الفرح حتى لملمة الجراح، وهذا جزء بسيط نقدمه لدماء الشهداء التي ارتقت نتيجة العدوان"- يقول عبد الباسط شقيق العروس منى.

اقرأ أيضاً: تقرير الشهيدة دانية عدس.. بدلًا من فستان الزفاف لفّها الكفن

يأبى الشاب الذي حاول الاحتلال قتل فرحتهم إلا أن يترك رسالة تحدٍ يقول فيها للمحتل متوعدًا بفرحة أكبر: "ستكون فرحتنا فرحتين، الأولى بانتصار المقاومة والثانية بزف عروستنا "منى"، أما الفرحة الكبرى ستكتمل بتحرير فلسطين".

الفرحة الأولى

كانت الفرحة تغمر قلب أيمن سمير قنيطة، وهو يعيش فرحته الأولى بقرب موعد زفاف ابنته البكر "هدى".

ظهر الاثنين الماضي أقام قنيطة مأدبة غداء في منزله قبل يوم واحد من العرس الذي كان محدداً مساء الثلاثاء الماضي، توافدت العائلة لمشاركته فرحته الأولى، قبل أن يعلن عن تأجيل فرحته لتبقى كروت الدعوات التي خطت بلون الذهب شاهدةً على حكاية أفراحٍ فلسطينية أجلها العدوان الإسرائيلي.

"نحن جزء من هذا الشعب الفلسطيني، صحيح أن خبر التأجيل كان صعبًا لي ولابنتي خاصة أننا انتهينا من كامل الاستعدادات وكنا ننتظر ساعات قليلة لنعيش فرحة الزفاف، لكننا كشعب فلسطيني متلاحم لا يمكننا إلا التأجيل تعاطفًا مع أبناء شعبنا، وما خسرناه لا شيء أمام دماء الشهداء النازفة وجرح أمهاتهم الثكلى" يقول والد العروس لصحيفة "فلسطين" بقلب صابرٍ مسلمًا بـ "قضاء الله وقدره".

كروت أفراح طبعت عليها تاريخ فرح يوم الثلاثاء الموافق التاسع من مايو/ أيار، هي نفسها علقها العرسان على جدران المنزل لتبقى ذكرى سنوية وشاهدة على يومٍ دموي في ذاكرة الشعب الفلسطيني أرجأت أفراحهم حتى "لملمة الجراح"، أحبال زينة وبيوت فتحت أبوابها لاستقبال "المهنئين" وتحولت إلى صالات أفراح مصغرة بقيت خاوية، وعندما حان موعد الفرح ولم يأتِ المدعوون.

13.jpeg
 

12.jpeg
 

14.jpeg