من جديد، يعود الاحتلال لتنفيذ سياسة الاغتيالات الدموية في قلب غزة بعد توقف دام قرابة تسعة أشهر، وهو يعلم تمامًا أنها كفيلة بتعقيد الأمور الأمنية في الأراضي المحتلة أكثر من تعقيدها الحالي، فما كان ينفع في سنوات سابقة من اعتماد سياسة الاغتيالات ضد قادة المقاومة، قد لا يكون مجديًا اليوم بعد مرور كل هذه السنوات.
لقد جاء الاغتيال الدامي في غزة في الساعات الماضية عقب ما شهدته الآونة الأخيرة من عودة النقاش الإسرائيلي حول استئناف هذه السياسة الهمجية، مع أن هناك من يجنّد هذا الشعار ضمن مزاوداته الحزبية الداخلية، وآخرون يعتقدون أن الاغتيالات مسألة ممكنة وواردة من الناحية العملية.
لكن الحقيقة المرّة لدى الاحتلال أن هذه الوسيلة بالذات، وهي الاغتيالات، لم تعد بيده وحده، فغزة تغيرت، والأمور اختلفت عما كانت عليه في حالات سابقة، وهناك شكوك كبيرة أن تكون الاغتيالات مجدية لحفظ أمن الاحتلال، بل إنها قد تضرّ أكثر مما تنفع، صحيح أن المقاومة ستشعر بخسارتها من استشهاد قادتها، لكنها بعد أيام قليلة سيأتي ردها المتوقع، وربما بعد ساعات، كما يقدّر الاحتلال.
في الوقت ذاته، فقد أثبتت سياسة الاغتيالات أنها لا تنجح بالقضاء المبرم على المقاومة، بل تسعى لتهدئة الإسرائيليين المذعورين، والإثبات أن الأمن لا يزال فعالًا، لكن النتيجة أن الاغتيالات تحافظ على مستوى متصاعد من الكراهية والخوف، وفي الوقت ذاته لا تنجح بالقضاء على تطلعات الشعب الفلسطيني بالتحرر، والانعتاق من الاحتلال، الاغتيالات فقط هي القرص "المهدئ" لليهود الخائفين، وتقديم دليل إضافي على أن منظومتهم الأمنية ما تزال تعمل على ما يرام.
هذه الاغتيالات، وبالرغم مما تقدمه دولة الاحتلال مما تعتبرها مبررات ومسوغات، فإنها لا تخفي ما تمنى به مؤسستها الأمنية من إخفاقات وفشل متلاحق في كل الجبهات، سواء في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، مما سيطرح السؤال الإسرائيلي: ماذا سنجني إن حفرنا مئات القبور لمن سنغتالهم في هذه الاغتيالات؟
ما من شكّ أن هذه الاغتيالات جزء من أعمال المافيا والعصابات، وفي ذروتها ينسى الاحتلال أنه دولة، ولأنه أغفل أن صراعه مع الفلسطينيين ذو أوجه سياسية وعسكرية، ويجب أن يسير وفق جدول أعمال سياسي، فإنه يتجاهل كل ذلك، والنتيجة أن ثقافة الاغتيالات هي التي تسود.
وبالرغم من وجود إجماع إسرائيلي حول هذه السياسة الدموية بزعم أنها تهدف لإعاقة العمليات المسلحة، أو القضاء عليها، لكن الحقيقة الدامغة أنها تنجح بإقامة ميزان من الردع والتهديد مع جيش الاحتلال، الأكبر والأخطر في المنطقة، وبالتالي وقوعه في فشل ذريع.