بدء المعاشرة الجنسية من جديد خلال المدة التالية للولادة أمرٌ تختلف درجة نجاحه إلى حد كبير بين النساء؛ فبعضهن يشعرن برغبة في استعادة هذا النشاط بعد الولادة، وكأن قدوم المولود الجديد شحن مشاعرهن وجدد فيهن العواطف، وبعض النساء يقل استمتاعهن بالمعاشرة بعد الولادة، ويكون من الصعب وصولهن إلى درجة عالية من الإثارة، وهناك أخريات لا يستمتعن إطلاقًا بالمعاشرة بل إنها قد تثير في نفوسهن القلق والمخاوف.
إذًا الأمر يختلف اختلافًا كبيرًا بين النساء، ويرجع أساس هذا الاختلاف إلى ظروف عملية الولادة نفسها التي مرت بها كل سيدة، وما تسببت به من آثار نفسية إيجابية أو سلبية، وهذا يعد تفسيرًا مقبولًا إلى حد كبير لموقف المرأة بعد الولادة من المعاشرة الجنسية؛ فلا يمكن أن تكون استجابة المرأة التي مرت بولادة سهلة للمعاشرة كاستجابة المرأة التي مرت بولادة متعثرة مؤلمة.
إن كثيرًا من النساء يشعرن بالخوف من المعاشرة لتوقعهن حدوث ألم لما أحدثته عملية الولادة بأجسامهن من تغيرات، وإن لم يكن هناك أي مبرر لهذا الألم.
أما المرأة التي حدث تدخل جراحي في أثناء عملية توليدها كالتوليد بعملية قيصرية أو إجراء توسيع؛ فإنها قد تستغرق مدة طويلة حتى تتكيف مع المعاشرة من جديد، لأنها قد تشعرها بألم فعلي يتسبب في إحباط رغبتها، وهناك نساء أخريات لا يستمتعن بالمعاشرة خلال مدة الرضاعة الطبيعية لسبب نفسي، إذ يشعرن أن أجسامهن خلال هذه المدة يجب أن تكون مقتصرة على حاجة الوليد، فيشعرن في قرارة أنفسهن بأن مشاركة الزوج في ذلك أمر غير مستحب لهن.
وقد وجد أن هذا الشعور يزداد عند الأمهات مع زيادة مستوى هرمون البرولاتين المتسبب في إفراز الحليب، وهناك نوعية أخرى من الأمهات يشعرن بالسلبية تجاه أجسامهن بعد الولادة، بمعنى أن الأم في هذه الحالة تشعر بأنها قد تكون غير مرغوبة من قبل زوجها بعد مرورها بعملية الولادة، ما يدفعها إلى إحباط رغبتها في المعاشرة، وبعض الأمهات قد يكرهن المعاشرة ليس لسبب من هذه الأسباب، وإنما لخوفهن من احتمال حدوث حمل، ما يعرضهن من جديد لمشقة الولادة، وخاصة إذا مررن بولادة متعثرة، وعلى العكس من ذلك تمامًا نجد أن عملية الولادة وقدوم الوليد يعد تجربة مرضية وسعيدة لبعض الأمهات ولأزواجهن أيضًا، ما يثير بين الزوجين جوًّا من المشاعر الدافئة التي تنشط المعاشرة فيما بينهما من جديد.
متى تبدأ المعاشرة؟
أيًّا كان موقف الزوجة من المعاشرة بعد الولادة _سواء كانت عملية مقبولة أم كانت مرفوضة_ فإنه لا يجوز أن يحدث جماع للزوجين قبل مرور أربعين يومًا على الولادة، وفقًا لتعاليم ديننا الحنيف الذي حدد هذه المدة على أساس أنها المدة الكافية لطهارة المرأة تمامًا من الإفرازات والدم ومخلفات الولادة، ويتفق هذا المبدأ مع ما يراه الطب، لأن هناك احتمالًا لنزول إفرازات من المهبل قبل هذه المدة تعرض كلا الزوجين للضرر.
ومن الطريف أن هناك شعوبًا غير إسلامية تعمل بهذا المبدأ الإسلامي؛ ففي دولة المكسيك _مثلًا_ لا يجوز للمرأة أن تقيم العلاقة قبل انقضاء مدة 40 يومًا على الولادة، ويعد الخروج عن ذلك جرمًا كبيرًا يكون عقابه شديدًا؛ فيعتقد أن المرأة التي تقترف هذا الذنب تعرض للموت أو لمرض شديد أو للعقم، ويعتقد كذلك أن الزوج الذي يرتكب هذه الخطيئة يصاب بالعجز الجنسي.