كان تشكيل حكومة رامي الحمد الله بموجب إعلان الشاطئ عام 2014م خطوة على طريق المصالحة، لكن سرعان ما تبددت آمال الكثيرين عندما اتضح لهم أن هذه الحكومة لا تقوم بواجباتها تجاه القطاع، ما ترك فراغا أفضى إلى مصادقة المجلس التشريعي في مارس/آذار الماضي على لجنة إدارية لسده، قبل أن يتخذها رئيس السلطة محمود عباس ذريعة لـ"إجراءات غير مسبوقة" تصنف قانونيا على أنها "سياسة عقاب جماعي".
وحكومة الحمد الله لم تعرض على المجلس التشريعي لنيل الثقة حتى اللحظة. وكانت حماس اكتسحت نتائج الانتخابات التشريعية في 2006م، بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132.
وفاقمت إجراءات عباس، التي طالت قطاعات حيوية كالكهرباء والصحة، معاناة المواطنين الناجمة عن الحصار الإسرائيلي المستمر منذ نحو 11 سنة على قطاع غزة، والذي تخللته ثلاث حروب عدوانية شنها الاحتلال بين 2008 و2014.
ولطالما أكدت حماس استعدادها لحل اللجنة الإدارية الحكومية في غزة، على أن تقوم حكومة الحمد الله بواجباتها. وأمس أعلنت الحركة حل اللجنة "استجابة للجهود المصرية الكريمة، بقيادة جهاز المخابرات العامة المصرية والتي جاءت تعبيرا عن الحرص المصري على تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام".
وتؤكد الباحثة القانونية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إيناس زايد، أن إجراءات السلطة "قطعا لم تكن مبررة"، مبينة أنه كان يجب على السلطة ورئيسها أن يراعوا مصلحة الشعب الفلسطيني أينما كان ومن ضمنه قطاع غزة.
"لكن على خلاف ذلك، وجدنا أن السلطة تنتهج نهجا تمييزيا تجاه سكان القطاع، وتتخذ إجراءات غير مبررة كنوع من سياسة العقاب الجماعي"؛ تضيف زايد لصحيفة "فلسطين"، موضحة أن السلطة تتذرع بذرائع سياسية لتبرر إجراءاتها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، بما في ذلك قطع الكهرباء وتقليص رواتب موظفيها هناك.
ومنذ مارس/آذار الماضي خصمت السلطة من رواتب موظفيها في القطاع دون الضفة الغربية، ما يتراوح بين 30% و70%، فيما قال رئيس هيئة التقاعد التابعة للسلطة في رام الله، ماجد الحلو، الشهر الماضي: "إن القرار بقانون الخاص بالتقاعد المبكر، طبق هذا الشهر على سبعة آلاف موظف مدني" في القطاع.
ووفقا للهيئة الوطنية لكسر الحصار وإعادة الإعمار، فإنه قد تم تبعا لإجراءات عباس، إغلاق حسابات جمعيات خيرية وحرمان الآلاف من الأيتام من حقوقهم وكفالاتهم الشهرية، عدا عن قطع رواتب أسرى محررين.
ومن ناحية قانونية –والكلام لا يزال لزايد- فإن إجراءات السلطة تدخل في باب سياسة العقاب الجماعي، مشددة على ضرورة أن تعمل السلطة على "رفع آثار هذه القرارات خاصة وأن كل يوم يمر يتضرر المواطنون في القطاع جراءها".
وتتابع: "الوضع في غزة أصبح أصعب ما يكون للعيش الطبيعي جراء كل هذه القرارات (التي اتخذتها السلطة). لا يجب أن تكون السلطة هي يد احتلال فعليا لقمع وكبت أهالي غزة"؛ وفق قولها.
وتشير زايد إلى مسؤوليتين تقعان على السلطة إثر إجراءاتها ضد القطاع، أولهما فردية تتعلق بالمتضررين من هذه الإجراءات، لاسيما أن هناك حالات منع من السفر للعلاج في الخارج، وهذه الأضرار تدخل في باب الأضرار المادية والمعنوية التي يجب تعويضها.
وفي 28 من الشهر الماضي، حذرت وزارة الصحة في غزة من تدهور خطير ومتسارع على صحة المرضى جراء وقف السلطة في رام الله توريد الأدوية وتقييد تحويلاتهم الطبية وخروجهم للعلاج بالخارج، ما أدى إلى وفاة 28 مريضا حتى اللحظة، كما اتهمت السلطة بالإصرار على فرض العقاب الجماعي بحق قطاع غزة.
والمسؤولية الأخرى التي تقع على عاتق السلطة في رام الله، بحسب زايد، هي تجاه كافة المواطنين في القطاع، لكونهم جميعا متضررين من إجراءاتها، مضيفة: "ما تنتهجه السلطة يدخل في باب انتهاكات حقوق الإنسان في الرعاية الصحية وتلقي الأجر بدل العمل والحق في الحصول على كافة الخدمات ومن ضمنها الكهرباء والماء النظيف".
وتوضح أن "مسؤولية السلطة مزدوجة عن التعويض للأفراد المتضررين وأخرى قد ترقى للمسؤولية الجزائية عن كافة الأفعال التي قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية لكونها تخضع تحت باب الانتهاكات لحقوق الإنسان".
وأكد منسق أعمال حكومة الاحتلال يؤاف مردخاي، في مايو/ أيار الماضي أن سلطات الاحتلال ستقلص إمدادات الكهرباء لقطاع غزة، قائلا في تصريحات متلفزة، إن السلطة في رام الله أرسلت كتابا رسميا بأنها لن تدفع سوى 25 – 30 مليون شيقل من إجمالي ثمن الكهرباء والتي تبلغ 40 مليون شيكل، ما يعني تخفيضا للكهرباء على غزة.
وتقول سلطة الطاقة في غزة، إن حكومة الحمد الله تصر على فرض كامل الضرائب على وقود محطة الكهرباء الوحيدة في غزة بما يرفع سعره لقرابة ثلاثة أضعاف السعر الفعلي. وفي أبريل/ نيسان الماضي، أكدت بلدية غزة أن سلطة المياه التابعة للسلطة في رام الله طالبت البلدية بثمن المياه المزودة لمدينة غزة من شركة المياه الإسرائيلية "ميكروت" والتي تشكل قرابة 20% من احتياجات المواطنين في المدينة.
"نقطة سوداء"
من جهته، يقول المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو: "لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يقوم قائد بحصار شعبه. هذا لم يحدث عبر التاريخ"، مضيفا أنه لم يسمع عن هكذا خطوات إلا بعهد عباس.
ويتابع لصحيفة "فلسطين"، بأن عباس من خلال إجراءاته "بشكل أو بآخر كان يشارك في حصار غزة؛ لأنه تكشف في النهاية أنه صاحب قرار في التخفيف من هذا الحصار أو تشديده"، مؤكدا أن خطوات عباس التي قام بها لن تُسجَّل "إلا نقطة سوداء" في صفحته عبر التاريخ.
ويشير إلى أن إجراءات عباس كانت نتائجها "وخيمة"، وأن شعبا بأكمله عانى منها لفترة طويلة، مطالبا رئيس السلطة بأن يقدم الاعتذار عن تلك الخطوات "التي أساءت لأبناء شعبنا في قطاع غزة وتسببت في معاناة الكثيرين".
كما يقول: "طالما وصلنا لمرحلة المصالحة والمكاشفة وإعادة الهيبة إلى المشروع الوطني والنظام السياسي الفلسطيني، فإن عليه (عباس) أن يعتذر عن تلك الخطوات لأنها تسببت بجرح عميق".
كما دعا سويرجو، عباس إلى أن "يعمل بشكل جدي" على تضميد الجراح التي تسبب بها لأبناء الشعب الفلسطيني.