في الوقت الذي يحيي فيه الاحتلال ذكرى تأسيسه الخامسة والسبعين على أنقاض فلسطيننا المحتلة، فإن مستوطنيه الذين يحاول النوم في الأشهر القليلة الماضية يعانون نوبات شديدة من الأرق والقلق على مستقبل (الدولة)، يفكر البعض في مدى سوء التدمير الذي يقوم به الائتلاف الفاشي، ويعتقد البعض الآخر أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ويسعى البعض الثالث لجمع المزيد من الشواهد على زعزعة الاستقرار الوهمي الذي اعتادوا عليه.
تزامن هذه الاحتفالات بذكرى "تأسيس" الكيان الغاصب مع توسع رقعة المظاهرات والاحتجاجات الداخلية يدفع الإسرائيليين للحديث عمّا يسمونها "عاصفة الجراد التي تلتهم الحقول"، تجتاح دولة الاحتلال من بيت إلى بيت، تاركة وراءها تعاسة هائلة، وكأنهم باتوا حقيقة يقتربون من نهاية العالم، وسط صدور المزيد من الاعترافات من كبار قادة (الدولة) بشأن تشَككهم من إمكانية بقاء أبنائهم وأحفادهم في هذه الأرض، لأنهم باتوا يفتقدون فعلًا معاني الدولة والنظام السياسي والتماسك الاجتماعي، وهي شواهد تمثل الأكثر صعوبة لهم.
كثيرة هي الانتكاسات التي مر بها الاحتلال في ذكرى تأسيسه غير الشرعي منذ سبعة عقود ونصف، منها حرب أكتوبر، وحركة الفهود السود، واغتيال رابين، والانسحاب من غزة، وهذه مجرد معالم لا تمثل للإسرائيليين مصدر فخر على الإطلاق، واليوم يضاف إليها الانقلاب القضائي والتغييرات القانونية التي يعتزم الائتلاف الحكومي تنفيذها.
تؤكد هذه الإخفاقات التي عرفها الكيان الاسرائيلي منذ تأسيسه طوال هذه المدة ما يمكن الحديث بشأنه عن فشل تجربته في انصهار مستوطنيه بين بعضهم، لأن الدولة ماتت بعد سنوات من إعلانها، وأصبحت قيمها "كليشيهات" غبية، معرض ومتحف، والإسرائيليون يزورون هذا المتحف من وقت لآخر، ويلقون نظرة على الجيل المؤسس ممن خاضوا الحروب الأولى، وأسسوا المستوطنات الأولى في مرتفعات الجولان والنقب، ينقلون إليهم ما يعيشونه بين بعضهم البعض من إشاعة أجواء الإحباط والكراهية.
دولة الاحتلال اليوم في 2023 ليست هي ذاتها في 1948 في العام الأول لتأسيسها، فهي اليوم أشدّ انقسامًا، وأخفّ التصاقًا بمبادئها التأسيسية التي بدأت تجد طريقها إلى سلة المهملات، وأصبت توصف بالمزيد من الأوصاف والنعوت التي لا تبتعد في مجموعها عن الأكاذيب التي لا بد من دفنها جميعًا في قبر واحد، لأنها وصلت بالفعل إلى حالة من الموت السريري.
الخلاصة الإسرائيلية في ذكرى تأسيسها الخامسة والسبعين أن ما يعدونه "منجزات" الأجداد سوف تذهب سدى، في حين يتوافق المستوطنون على إدارة الصراع الإسرائيلي-الإسرائيلي، البعض سوف يتعايش معه تعايشًا جيدًا، والبعض الآخر لا، والبعض الثالث سيُقرر التوقف عن المضي قدمًا في هذا المشروع، أما البعض الرابع فسيُعلن صباح مساء أن وحدة الإسرائيليين مطلوبة، دون وجود مسار واضح حقيقي لتجسيدها.