في الوقت الذي تحيي فيه دولة الاحتلال الذكرى الخامسة والسبعين لإقامتها على أنقاض فلسطين المحتلة، يواصل فرقاؤها محادثاتهم حول الانقلاب القضائي المزمع تنفيذه في بيت رئيس الكيان، وسط شعور المعارضة بأن نجمها يتصاعد في الاستطلاعات على حساب الائتلاف الحكومي الذي يشهد تراجعًا مطردًا في شعبيته بصورة متلاحقة، كلما زادت الأزمة، وطال أمد حلّها، واستعصت على إيجاد تسوية بينهم.
مع العلم أن الفعاليات التي أحياها الإسرائيليون في هذه الذكرى السنوية، التي تصادف بعد أسابيع ذكرى نكبتنا الفلسطينية المتجددة، سادتها أجواء صعبة ومحبطة مع تصاعد الاحتجاجات الأكثر فاعلية في تاريخ دولة الاحتلال، التي شهدت العديد من الاحتجاجات والمظاهرات الضخمة بعد الحروب والكوارث التي أدت إلى تشكيل العديد من لجان التحقيق.
في الوقت ذاته، فإن قادة المعارضة الذين استغلوا هذه الفعاليات للضغط على الحكومة، حاولوا تعويض فشلهم المهين في العملية الانتخابية الأخيرة باتخاذ خطوات تجعلهم يظهرون في أعين الجمهور المحتج بأنهم بديل مناسب للحكومة الحالية، التي يقودها أشخاص خطيرون لم يترددوا بالدعوة لاعتقال رئيسة المحكمة العليا، ووضع الأصفاد في أيدي قادة المعارضة، الأمر الذي صبّ مزيدًا من الزيت على نار الاحتجاجات المتصاعدة مع مرور الوقت.
ليس سرًّا أن قادة الائتلاف والمعارضة يستعدون بعد أيام لاستئناف جلسات الكنيست مع افتتاح دورته الصيفية، وسط اشتعال الميدان أكثر فأكثر، وظهور مجموعة من المعسكرات والتيارات الحزبية، منها المعتدلة والمتشددة والأكثر تشدّدا، الأمر الذي يدفعها مجتمعة لمواصلة التفاوض بغرض التوصل إلى اتفاق أو تسوية تكبح جماح هذه التظاهرات والاحتجاجات التي شملت مزيدًا من القطاعات النقابية والاتحادات المهنية.
وسط ذلك كله بدأت تتسرب بعض التلميحات ومفادها أن بيني غانتس، وربما يائير لابيد أيضًا، قد يقدمان على عقد صفقة مع ليفين ونتنياهو، مع أن المظاهرات الممتدة منذ ما يزيد عن أربعة عشر أسبوعًا على التوالي شهدت صدور العديد من التسويات المطروحة لإنهاء هذه الأزمة المستحكمة لدى الاحتلال، منها كتابة فصل في الدستور الإسرائيلي المستقبلي الذي يحتوي على اتفاق واسع حقيقي بين جميع الأطراف، دون أن يكون قابلًا للتغيير الفوري مع تغيير تشكيل الائتلاف في الانتخابات المقبلة.
الخلاصة الاسرائيلية أنه بعد أن أشعلت المعارضة شوارع فلسطين المحتلة بسيلٍ بدأ ولما يتوقف بعد من المظاهرات، فلعله بالضبط الوقت المناسب الذي ربما لا ترمش فيه عيون قادة المعارضة، ولو لثانية واحدة، وصولًا لتحويل هذه المسيرة الطويلة من الاحتجاجات إلى نص دستوري، لا يبدو أنه في الأفق، مع تمترس الائتلاف خلف توجهه القادم باستئناف تشريعاته القانونية المثيرة للجدل.