فلسطين أون لاين

ميس الريم... تصنع عالمها وتنقش ذهبًا بأربعة أصابع

...
ميس عطاونة

على آلة نقش الذهب تعمل ميس الريم عطاونة بشغف، وهي تحاول حمل القالب بأصابعها الأربعة من أصل عشرة. لا تمل، ولا تتوقف عن المحاولة مرة تلو الأخرى، حتى تتقن النقوش لتاجري زميلاتها في المصنع، حتى أصبحت اليوم اسمًا لامعًا في عالم صياغة الذهب.

خلقت عطاونة (26 عامًا) وهي تعاني مرض ضمور العضلات، الذي أدى إلى تقوس في بعض أصابع كفيها، لكن هذه الإعاقة لم تمنعها من صناعة الحياة من رحم الصعوبات، فحصلت على شهادة جامعية وتعمل منذ سبع سنوات في شركة لصناعة الذهب غرب الخليل.

حبا الله ميس بمواهب عديدة منها الرسم، والكتابة، فأبدعت في رسم لوحات رائعة دون خوض أي دورة تدريبية لتعلم أساسيات الرسم، وقد ساعدتها موهبتها في الرسم والتصميم على إتقان حرفة صياغة الذهب.

بالرغم من دقة ما تحتاجها حرفة صناعة الذهب، إلا أن ميس استطاعت بأناملها الأربعة من أصل عشرة منافسة زملائها مدفوعة بإيمان كبير في ذات جعلتها تصنع فرقًا، إذ تعد أول فتاة من ذوي الإعاقة تعمل في تصميم الذهب ونقشه.

تنتمي ميس لأسرة مكونة من ستة أفراد، والدتها هي السر في حياتها، فمنها تستمد القوة، والعمود الذي تستند عليه حين يصيبها الوجع من نظرة المجتمع القاصرة تجاه ذوي الإعاقة.

تقول لـ"فلسطين": "لطالما أحاطتني أمي بكلمات التشجيع، فهي من آمنت بأن قدراتي ومواهبي ستجعلني مميزة، وأنني قادرة على العمل في أي حرفة واتقانها بالرغم من الإعاقة".

وتضيف: "منذ أن وعيت على هذه الحياة أردت أن أكون مستقلة ماديًا وفكريًا، ولم أجعل إعاقتي يومًا حاجزًا أمام تحقيق ما أطمح إليه، لذا صنعت لنفسي عالمًا خاصًا بي فبحثت عمَّا أتقنه، وأختلف به عن غيري وعملت على تطويره".

وتردف ميس: "أعلم أن دخولي مجال صياغة الذهب ليس بالأمر السهل، فقد واجهت صعوبات كثيرة، ولكني لم أستسلم يومًا، أخفقت مرة واثنتين وثلاثة، وفي كل مرة كان لدي مئة سبب لأكمل من جديد".

وتشير إلى أن كل شخص في هذا العالم لديه شيء مختلف في شخصيته، ولكن السر يكمن في كيفية التعامل مع هذا الاختلاف، واستثماره بما يحقق النجاح له في حياته.

وتقضي ميس ثماني ساعات في العمل داخل مصنع شركة مجوهرات القواسمي لصناعة الذهب، حيث تدقق وتمعن النظر في الطريقة التي تتبعها زميلاتها في العمل بأصابعهنّ العشرة، ومن ثم تقوم باتباع الطريقة التي تتناسب مع قدرتها في صناعة النقوش على المصاغ الذهبية. 

وتلفت إلى أنها لا تواجه من أي تمييز في الأجور بينها وبين زميلاتها، كما لا تواجه أي تمييز سلبي في المعاملة المهنية.

وتنبه ميس إلى أن العمل في نقش الذهب أمر صعب، ويحتاج إلى ساعات عمل طويلة، ولكن يحتاج إلى دافع ورغبة وإصرار، "لذا وجدت المتعة فيه لأني أعطيت العمل حقه".

صاحب المصنع لم يكن متوقعًا أن تنجز ميس أعمال المصاغ الذهبية بالدقة التي تظهرها، "لكني كنت مدفوعة برغبة جامحة في التعلم وإصراري على أن ذوي الإعاقة قادرون على الإبداع".

وتؤكد أن ذوي المعاقين لديهم قدرات عالية ويستطيعون الإبداع في مجالات عدة، ولكنهم يحتاجون الفرصة من أصحاب المصانع والتجار، وسيُثبتون أنفسهم بكل جدارة وسيكسرون رهاب دمجهم في المجتمع.

وتختم حديثها برسالة لكل شخص يعاني الإعاقة: "لا تلعب دور الضحية، ولا تجعل المجتمع هو من يقودك، أو يؤثر في قراراتك، واختياراتك فغالبًا نظرته قاصرة تجاهك، بل اختار الطريق الذي تشعر بأنك ستبدع فيه، واجعل من عجز قوة لتثبت للجميع أنك قادر، وتستطيع فعل ما عجز عنه الأصحاء".