فلسطين أون لاين

نابلس تعزم في شعبان وتفقد في رمضان

"الفقدة".. رسائل اجتماعية تتباهى بها النابلسيات

...
الفقدة الرمضانية
نابلس- غزة/ هدى الدلو:

يحل شهر رمضان مصطحبًا معه المشاهد والطقوس والعادات الرمضانية وخاصة التي تشتهر بها بعض المدن الفلسطينية، كمدينة نابلس التي تكثر فيها العادات والتقاليد التي تزيد من بهجة الشهر وروحانيته، ومنها الفقدة الرمضانية التي يسعون من خلالها إلى توطيد العلاقات وصلة الرحم.

وتعرف الفقدة بأنها زيارة الرجل لمحارمه من النساء، وتفقد أحوالهن خلال شهر رمضان، ويحمل معه الهدايا المختلفة التي باتت تختلف في طبيعتها بين الماضي والحاضر، إلا أنه في نهاية المطاف يقصد بها جبر الخواطر، وصلة الرحم وتعزيز الألفة والود والتقارب الاجتماعي بين أفراد العائلة.

عزوة للمرأة

بفرح وابتسامة ترتسم على ملامح وجهها تستقبل رفيف ملحس أعمامها في منزلها بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، الذين جاؤوا لزيارتها وتهنئتها بقدوم رمضان والاطمئنان على أحوالها، ويرافقهم في الزيارة أبناؤهم لكي يورثوهم تلك العادة الرمضانية.

تقول لصحيفة "فلسطين": "الفقدة الرمضانية هي زيارة أهل المرأة للتهنئة برمضان، فتكون أول الزيارات للأب وأبنائه ويحملون معهم الهدايا من مأكولات يتم استهلاكها برمضان مثل الفواكه المجففة والكعك والمعمول والمكسرات، وبفعل التطور الحاصل أصبح للهدية شكل آخر كهدايا شخصية من ملابس وأحذية، أو خاصة بالبيت، أو تكون نقدًا لتشتري ما تحتاج إليه".

وتضيف ملحس: "ليس لدي إخوة ولكن بعد وفاة والدي لا يزال أعمامي وأخوالي وأبناؤهم يفتقدونني في رمضان لتعزيز الترابط الأسري بين العائلة".

وتشير إلى أن أهل مدينة نابلس لا يقيمون الولائم الرمضانية للأرحام في شهر رمضان، ولكنهم يعزمون في الشهر الذي يسبقه "شعبان" وتسمى عادة الشعبونية، حيث تقضي السيدات ثلاثة أيام عند أهاليهن، وعليه فإن نابلس تعزم في شعبان وتفتقد في رمضان.

وتمضي ملحس إلى القول إن تفقد أهل الزوجة ابنتهم بمنزلة رسالة "أن لها عزوة وغير مقطوعة من شجرة، وبالتالي فنحن السيدات نتباهى بزيارة الأهل وبهداياهم، خاصة أننا في الماضي كنا نسكن في بيت العائلة مع والدة الزوج والسلفات، وفي هذه الزيارة كنا نشوف فيها حالنا".

رفعة معنوية

الخمسينية أم غالب تزداد بهجة رمضان لديها مع تواصل العمل بهذه العادة "الجميلة"، "فالواحدة منا لا تسعها الدنيا بزيارة أهلها لها في بيتها وبين عائلة زوجها لتفقد أحوالها وقضاء وقت جميل بعد صلاة التراويح".

وتبين أن زيارة الأهل لابنتهم لا تنقطع على مدار العام، لكن لأجواء رمضان وفقدة رمضان بهجة مختلفة، فتسعد المرأة بقدوم والدها وأشقائها وأعمامها وأخوالها في بيتها، ولا يهمها ثمن الهدية بل ما تحمله من قيمة معنوية في نفسها وتذكرهم إياها في تلك الأيام المباركة، والأثر الجميل لتلك العادة في تقوية للعلاقات الاجتماعية.

تراحم وتماسك

من جانبه، يتحدث المهتم بالتراث الفلسطيني طاهر باكير أن فقدة رمضان في نابلس، موروث اجتماعي وثقافي انتقل من الأجداد إلى الآباء والأحفاد.

ويقول: "رغم كل الظروف التي تمر على المدينة ومحاولات تفتيت عضد النسيج الاجتماعي، لا يزال أهلها يحتفظون بتلك العادة لدورها الكبير في تعزيز أواصر الروابط والمحبة والتكاتف بين أبناء المجتمع، كما أن عادة الفقدة فيها إعانة وتخفيف من العبء الواقع على الأرحام".

ويشير باكير إلى أن "الفقدة" أحيانًا لا تقتصر على الأرحام، بل تشمل سيدات من العائلة ولكنهن يعانين ظروفًا مادية صعبة، فيصير التزاور من باب التراحم والحفاظ على التماسك الأسري.

واختلفت الفقدة بعض الشيء عن الماضي، فشكلها في الماضي كان أكياسًا كبيرة تحتوي على قطعة قماش لصاحبة الدار، والكعك والقرشلة والقسماط والملبس المحشو باللوز والقضامة، والمكسرات والتمر والفواكه وغيرها من مستلزمات وجبة السحور، وأحيانًا يتم تقديمها نقدًا.

أما في الوقت الحاضر، وفق باكير، فتعتمد على القدرة المادية كالملابس الجاهزة، أو بعض أصناف الحلوى، أو بطانيات وحرامات.

وينبه باكير إلى أن أغلب العادات النابلسية تأتي بدافع ديني تهدف لصلة الرحم وجبران الخاطر، ورفع قيمة السيدة أمام أهل زوجها.