ما زالت دولة الاحتلال تلتزم الصمت رسميًا إزاء التطورات المتلاحقة في السودان، التي أوشكت أن توقع معها اتفاق تطبيع تعثّر في الساعات الأخيرة، لكنها في الوقت ذاته لا تخفي إحباطها من تأثير هذا الصراع الدامي على تراجع مستقبل التطبيع.
في الوقت ذاته كشفت أوساط إسرائيلية عن وساطة يشرف عليها الاحتلال لتهدئة الموقف المشتعل بين المتصارعين، وسط ترجيح مبدئي بميل إسرائيلي لجهة طرف ما على حساب طرف آخر، دون أن يعني قطعًا للعلاقة مع الطرف الآخر.
تعيد هذه التطورات السودانية والموقف الإسرائيلي منها إلى الأذهان ما تضمنته الزيارة الأخيرة لوزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين "العلنية" إلى الخرطوم في فبراير، من بحث آخر مآلات التطبيع بينهما، لكن الجديد فيها أن البيان الرسمي للخارجية الإسرائيلية ربط حينها هذه الخطوة بمحاربة المقاومة الفلسطينية، بالقول: إن "السودان منطقة إستراتيجية تقع على ساحل البحر الأحمر، وحاربت في وقت سابق ضد إسرائيل، وأرسلت أسلحة إلى حماس"، هكذا جاءت الصياغة بالنص الحرفي.
يكشف القلق الإسرائيلي اليوم من التطورات السودانية الجارية في هذه الآونة من جهة، ومن جهة أخرى العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، عن أغراض أمنية وعسكرية تتجاوز التطبيع الثنائي بينهما، لما هو أبعد من ذلك تصل حدّ تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية من الأسلحة والمعدات القتالية التي كانت تصلها في سنوات سابقة عبر السودان.
كشف ذكر كلمة حماس في بيان رسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية عن خطورة ما شكّله السودان في زمن سابق من مصدر أساسي لتسليح حركات المقاومة، وفقًا لما زعمته أوساط عسكرية لدى الاحتلال بأنه دأب على تزويدها بالمعدات القتالية، وإيصالها إلى قطاع غزة، إذ يتمركز جناحها العسكري الذي يشهد تصاعدًا في قدراته التسليحية، وهذا يعني أن الاحتلال يمنح الاعتبارات الأمنيّة المتعلّقة بوقف إمداد المقاومة بالسلاح أولوية متقدمة بتطبيعها الجاري مع السودان.
يعود الأمر لسنوات سابقة وتحديدًا في 2018، حين كشف النقاب عن إجراء الاحتلال اتصالات إقليميّة معظمها سريّة مع دول عربيّة كالسودان، لتسويق تكنولوجيا التعقّب الأمنيّ للعمل على وقف وصول الأسلحة إلى المقاومة، إذ يبدأ نقلها من ليبيا إلى السودان، وصولًا إلى سيناء وغزّة.
الخلاصة الإسرائيلية أن النظرة المترقبة لما يشهده السودان من تطورات متسارعة متلاحقة يأتي تزامنًا مع تطلعاتها التي ربما تراجعت من تحقق فرص التطبيع، لكون هذا الموضوع لن يكون ذا أولوية عاجلة لطرفي الصراع من جهة، ومن جهة أخرى فإن دخول العوامل الإقليمية والدولية على خط هذا الصراع قد يعمل على تأخير البحث فيه حتى إشعار آخر.