في ذروة المظاهرات الإسرائيلية الداخلية احتجاجًا على الانقلاب القضائي، اندلعت أحداث أمنية متلاحقة، تمثلت بإطلاق رشقات صاروخية من عدة جبهات في آن واحد معاً، ما زاد من حدّة الأوضاع الداخلية والخارجية، وجعلها في وضع لا تحسد عليه.
صحيح أن المخاطر الخارجية المحدقة بالاحتلال تتزايد، لكن ما تعيشه من تهديدات داخلية لا تقل عنها، في ضوء الجهود التي يبذلها عدد من قيادات الاحتلال ومؤسساته لتشويه صورته حول العالم، والإضرار باقتصاده، والتسبب بكشف أسراره الخفية، ما أوجد فيه من هم على استعداد للقيام بذلك "طواعية"، وفي أحيان كثيرة منها بحكم المناكفة السياسية والمماحكة الحزبية.
الوضع الإشكالي الذي يوجد فيه الاحتلال أنشأ ما يمكن تسميته "تلاقي المصالح"، سواء الجهود المبذولة لتغيير النظام السياسي، والإطاحة برئيس الوزراء الحالي، وفي الوقت ذاته المساعي الخارجية للإضرار بالاحتلال من خلال القوى المعادية المسلحة، وحركات المقاطعة، ما ينجم عنه مع مرور الوقت تراجعًا في ترتيبه الاقتصادي، ومكانته في العالم، وتضررًا في الردع والأمن القومي من خلال نظرة واسعة.
هذه المآلات لما يواجهه الاحتلال أثار تفسيرات داخله بأنه ربما يكون قد طوّرت برمجيات خبيثة تضرّ به، وتهدد بتفكيكه، وصولًا إلى مرحلة تدمير الذات داخليًّا، من خلال ظهور المزيد من الأفكار والتوجهات التي تؤجج هجوماً مستمراً عليها منذ سنوات طويلة، ما أسفر عنه تزايد القلق العالمي العميق بشأن احتمال أنه إذا نجح الانقلاب القضائي لدى الاحتلال، فسيتم إنشاء ديكتاتورية مسيحانية في قلب المنطقة.
مثل هذه الظواهر الإسرائيلية التي تزايدت بالتصاعد يومًا بعد يوم، من شأنها شيوع الأفكار والتصورات التابعة للقوى الساعية ضد الاحتلال، وتساعدها في مهاجمته في المجالات الدبلوماسية والإعلامية والمادية، مما سيضر بقدرته على حماية جنوده في الخارج، لأنهم سيظهرون أمام العالم وهم يرتكبون جرائم حرب على نطاق واسع ومنتظم، عندما تنظر المحاكم الدولية في الشكاوى المقدمة ضدهم.
كما أثارت التطورات الإسرائيلية الداخلية مزيدًا من الذعر الناشئ حول الخوف على اقتصاد الاحتلال، بتزايد الدعوات إلى وقف الاستثمارات فيها التي دأبت حركات المقاطعة على الترويج لها في السنوات الأخيرة، رغبة منها بملاحقة الاحتلال في المحافل الاقتصادية والتجارية، وعلى مستوى الرأي العام العالمي.
تشكل هذه الأحداث فرصة مناسبة للقوى والكيانات التي تستهدف الاحتلال للعمل على زيادة تعميق الانقسامات الداخلية، التي دأبت على الظهور بين حين وآخر، سواء حين تم الانسحاب من غزة، أو رفض الخدمة العسكرية في الضفة، وأخيرًا على خلفية الانقلاب القضائي، لكن الجوهر بقي كما هو، وهو أن هذا الانقسام يشكل وصفة سحرية لاستهداف هذا الكيان الغاصب، بجانب الجهود العملياتية الميدانية.