من كان يصدّق أن التخوف الإسرائيلي الذي دأب الاحتلال على تكراره في السنوات الأخيرة بات واقعاً ماثلاً ضمن مفردة "الجبهات المتعددة"، التي رافقها انتشار العديد من التحذيرات الأمنية والعسكرية بخصوصها، ودعوة الجيش للابتعاد عنها قدر الإمكان، بعد أن أصبحت على وشك الحدوث.
يصعب الحديث عن عدم توقع جيش الاحتلال لأحداث الأيام الماضية، وإن كان لا يتمنى وقوعها، سواء في قطاع غزة، أو على الحدود الشمالية مع لبنان، وعلى الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا، فضلا عن القلب منها في الضفة الغربية، في ضوء ما تراه القوى المعادية للاحتلال من وضع داخلي مترهّل لديه فسّرته بأنه ضعف له، وفرصة لهم، نظرا لما تركه الانقسام الإسرائيلي من تبعات تتعلق بتآكل الردع بشكل كبير.
التخوف الإسرائيلي بدا واضحا في الأيام الأخيرة في عدم رغبته بفتح عدة جولات مواجهة في آن واحد معاً، خشية دخولها في حرب مفتوحة، أو صراع طويل، ولم يكن من قبيل الصدفة أن التعامل مع لبنان وحزب الله حساس للغاية، صحيح أن المواجهة مع المقاومة في غزة ليست نزهة نهاية الأسبوع، لكنها قابلة للاستيعاب في ضوء المواجهات السابقة، في حين تبقى الردود القادمة من جبهات أخرى، في حال اندلعت مواجهة حقيقية، خارج دائرة المتوقع.
مع العلم أن الاحتلال يريد أن يبدأ ما يسميها "حرب الشمال الأولى" أو "حرب لبنان الثالثة" بخطوة ستؤدي لنجاحه فيها من البداية، أما الانجرار إليها دون إنجاز جملة أهداف أساسية قابلة للتحقق فستكون وصفة للفشل والإخفاق غير القابل للإخفاء.
يتوقع الإسرائيليون أن ينقسم مسار الرد على ما حصل في الأيام الأخيرة من استهداف لمختلف حدود فلسطين المحتلة برشقات صاروخية من عدة جبهات في آن واحد معاً إلى مرحلتين: المرحلة الصاخبة والفورية ضد المقاومة في غزة، والمرحلة الهادئة وطويلة الأمد ضد نظيرتها في لبنان، بزعم أن هذه الطريقة الوحيدة التي سيبقى فيها الاحتلال دون عتبة التصعيد ضد الأخير.
ليس سرّا أن الاحتلال ما زال يعيش صدمة حرب لبنان الثانية التي ما زالت مشتعلة بعد مرور قرابة سبعة عشر عاما عليها، واليوم يسعى الاحتلال للإرسال برسالة واضحة مفادها أنه لم يعد هناك فصل مصطنع بين الحزب ولبنان، وبالتالي استباحة كل أهدافه ما دام أنه موجود في الأراضي اللبنانية، على الرغم من أن مثل هذا التوجه سيعود على الاحتلال بأثمان باهظة مكلفة.
أيّاً كانت وجهة الاحتلال المقبلة، في غزة أو لبنان أو سوريا، أو كلها معاً، وربما جبهات أخرى تضاف إليها، فقد بات من المؤكد أن سيناريو المواجهة متعددة الجبهات بات ماثلا للعيان أمامه، ما يستدعي منه التحضّر جيدا له، بعيدا عن الاستفراد بكل جبهة على حدة!