تطور الفصائل الفلسطينية من الأداء السياسي الأمني العسكري بالتزام، وهذا يعد تحولًا جديدًا مهمًّا في مسار التعامل مع المتغيرات الإقليمية والدولية وحتى داخل الكيان.
بالنظر إلى الساحات المشتعلة والاستنزاف الأمني اليومي منذ أشهر في الضفة الغربية، وإسنادها العسكري من الجبهة الشمالية والجنوبية في مشهد واضح يشير إلى دقة تنسيق عالية في تزامن السياسة والأمن والعسكرية، لتكون لدينا معادلة معقدة لم تعتد "إسرائيل" عليها.
الاحتلال حاول على مدار عقود فصل الجبهات وتقسيمها فكان لديه ملف لبنان منعزلًا كليًّا عن فلسطين، وكذلك في داخل فلسطين قسم الملفات إلى غزة والضفة والقدس ليتسنى له النجاح الأمني والسيطرة، لكنه وبعد سيف القدس بات واضحًا عدم قدرته على فصل تلك الساحات أو استهلاك الخطط القائمة من فتنة فلسطينية داخلية أو تطبيع مفاجئ وسريع مع الدول العربية، أو الترهيب في القدس والداخل وخطة التنسيق الأمني في الضفة الغربية، فجاءت سيف القدس منتجة وعيًا شعبيًّا وحاضنة كبيرة وتشكل مجموعات عسكرية وتطوير ذات للمقاومة، وأضيف على المشهد ما كانت مغيبة لسنوات، وهي الحنكة السياسية في حصاد يثمر لصالح القضية الفلسطينية، لأن كل الجولات والحروب كانت تخلص إلى هجمة أمنية في غزة وقطاف سياسي للسلطة في الضفة الغربية.
ولأن الاحتلال في أبجدياته يعتبر الضفة الخاصرة المهمة لأمنه القومي، فإن إبقاء حالتها الأمنية تحت السيطرة أمر حتمي في نظريته، غير أن رياح الشارع جاءت بعكس مخططه، فالأفق السياسي المعدوم والتصعيد الإسرائيلي والحالة المعنوية التي أفرزتها معركة سيف القدس جعلت الأمور تتغير والأوراق تتبدل، فالأمن للمستوطنين تلاشى في الضفة الغربية والمعركة باتت شرسة.
الآن وبعد شهور طويلة من الاستنزاف الأمني للاحتلال في الضفة الغربية ومع دخول شهر رمضان المبارك فشلت إسرائيل في الدخول بصفر مشكلات، ليكون التصعيد هو الأقوى والعمليات والمواجهة، إلى أن تطور المشهد لدخول الساحات الأخرى للمعركة بغلاف سياسي محنك وتوقيت مبرمج، ليكون في المشهد إلى جانب الضفة والداخل المحتل عام ١٩٤٨ والقدس وجود ساحة لبنان وغزة اللتين تتمتعان بثقل عسكري يسند المقاومة الميدانية الشعبية والجماهيرية والمسلحة في الساحات الأخرى.
ومع استنزاف طويل ودخول ساحات منسق وضربات موجعة واستمرار العمليات في الضفة الغربية وتعزيز الجبهة الداخلية والحاضنة الشعبية؛ بات نجاحًا سياسيًّا ودهاء عسكريًّا يسجل للفصائل التي استطاعت بوقت قصير جدًا إحباط قمتين أمنيتين، وخططًا أشرفت عليها أمريكا مباشرة، لإعادة عقارب التوقيت للوراء، ونجحت المقاومة في ضبط التوقيت العسكري والسياسي هذه المرة بعد أن كانت تضبط الميدان فقط والحصاد السياسي ممنوع.
وفي المحصلة تجميع القدرات، وتوحيد الساحات، وفرض الإرادة السياسية، وتثبيتها ميدانيًّا سيجعل الخريطة تتغير هذه المرة، بأن الجهة التي يجب أن يكون معها الحديث سياسيًّا وليس أمنيًّا هي المقاومة، وممثل الشعب والشارع.