ما أحدثته قوات الاحتلال في المسجد القبلي في الأقصى المبارك من ضرب قاسٍ وعنيف للمعتكفين، وإخراجهم من الاعتكاف قصرًا وطردهم من المسجد واعتقال بعضهم، ثم تكسير عيادة الأقصى وحرمان المصلين المعتكفين من حقهم في الإسعافات الأولية، أمور لم تحدث من قبل.
نعم اعتدت قوات الاحتلال في سنوات ماضية على المصلين وعلى المعتكفين، ولكن لم تكن تلك الاعتداءات بهذه القسوة، فما الذي جرّأ قوات الاحتلال على هذه القسوة، والطرد، ومنع الاعتكاف بقوة الشرطة وحرس الحدود، والاعتكاف حقّ للمصلين في جميع ليالي رمضان المبارك، والاعتكاف لا يختص بالعشر الأواخر، كما أنه لا يختص برمضان دون بقية الأشهر.
سؤال ما الذي جرّأ الاحتلال على ذلك، يربطه بعض المحللين بلقاءات العقبة وشرم الشيخ الأمنية، وأنا أرى ما يراه المحللون، وفي ظني أن الوفد الإسرائيلي للقائين أخذ تصريحًا من السلطة، ومن الطرف العربي بمنع الاعتكاف في المسجد الأقصى وقصره على العشر الآواخر، ووضعه تحت الرقابة الصارمة، ولا مانع من استخدام القوة المفرطة، تحت زعم تخفيض التوتر، والمحافظة على الاستقرار. في ظني والله أعلم أن هذا التصريح هو الذي جرأ الاحتلال على اقتحام المسجد القبلي، وضرب المعتكفين بقسوة، وطردهم، وجعلهم عبرة لمن خلفهم ممن يفكرون في الانضمام للاعتكاف.
الشاهد على هذا الظن أمران: الأول الضرب المبرح، وغير المسبوق بهذه القسوة ومنع الاعتكاف. والثاني الاتجاه العربي والفلسطيني (أعني السلطة) السريع إلى طلب اجتماع لجامعة الدول العربية، ثم إلى طلب اجتماع لمجلس الأمن، والغرض من الطلبين والله أعلم ليس الدفاع عن المعتكفين، وإدانة عدوان قوات الاحتلال، ومن ثمة حماية حق المصلين في الاعتكاف، بل هو محاولة مكشوفة أو شبه مكشوفة لامتصاص غضب المصلين، وامتصاص ردود فعل المقاومة الفلسطينية وحسب.
ولو كان الأمر غير هذا لكان التصرف غير التصرف هذا، وأقله الإعلان عن الانسحاب من اللقاءات الأمنية القادمة مع الاحتلال، ومعاقبة المحتل على عدوانه على الحقوق الدينية والمقدسة للمسلمين. اليهودي لا يجرؤ على تدنيس الأقصى دون تفاهم مسبق مع من لهم قرار في الأقصى وفي الساحات الفلسطينية. ولا أظن أن الجامعة العربية ستنادي بحق الفلسطيني في الاعتكاف في الأقصى في كل ليالي رمضان، والأيام كاشفة عن الحقيقة المخبأة.