يشيع بين كثير من الناس أنَّ من رأى مسلمًا يأكل أو يشرب في نهار رمضان ناسيًا ألا يذكره بأنه صائم مستشهدين بقول النبي ﷺ: "مَن أكَلَ ناسِيًا وهو صائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فإنَّما أطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقاهُ"، أي أن هذا رزق الله له فلا يصح أن تمنعه عنه، وسُئل الشيخ عبد العزيز بن باز عن هذه المسألة فأجاب بأن: "من رأى مسلمًا يأكل أو يشرب أو يتعاطى شيئًا من المفطرات في نهار رمضان وجب عليه إنكار ذلك الفعل وتذكيره إن كان ناسيًا لأن إظهارها من المنكرات حتى لو كان صاحبها معذورًا".
واتفق على ذلك جمعٌ من الأئمة والفقهاء، كالشيخ عبد الله بن جبرين الذي عدَّ تذكير من أكل ناسيًا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معلّلًا ذلك بقوله: "إن تركه يأكل والناس ينظرون قد يوحي بتهاونه بأحكام الشريعة الإسلامية وإساءة الظن به" فقد لا يعرف كل من رآه أنه ناسٍ.
وعدَّ الشيخ محمد الصالح العثيمين أن تذكير الناسي يكون من باب التعاون على البر والتقوى، "فلو رأى المسلم شخصًا مصليًا إلى غير القبلة وجب عليه تبيين الأمر له وإرشاده، والصائم وإن كان معذورًا لنسيانه فإن أخاه الذي يعلم بحاله يجب عليه أن يذكره"، وقاس ذلك على قول النبي ﷺ حين سها في صلاته: "إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أنْسَى كما تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي" فإذا كان الناسي في الصلاة يُذكّر، ومثله الناسي في الصوم.
وذكر أشرف بن عبد المقصود في كتابه "فتاوى رمضان" بعد عرض آراء الأئمة في المسألة، أن الحاصل فيها وجوب تذكير الصائم إذا أفطر ناسيًا، وعلى الصائم أن يمتنع عن الأكل فورًا.
وفصّل في ذلك بقوله: "ولا يجوز للناسي أن يتمادى في أكله وشربه، بل لو كان في فمه ماء أو شيء من طعام فيجب عليه أن يلفظه، ولا يجوز له ابتلاعه إذا تذكر أو ذُكِّر أنه صائم"، ويمسك الناسي ويكمل نهاره ولا قضاء عليه لما ورد في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ:" مَن نَسِيَ وَهو صَائِمٌ، فأكَلَ، أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المفطرات التي تفطر الصائم، لا تفطره في حالات ثلاث: الأولى: إذا كان ناسيًا، فصومه تام ولا شيء عليه كما تقدّم، والثانية: إذا كان جاهلًا، كمن أكل أو شرب ظنًا منه أن الفجر لم يطلع أو أن الشمس غربت ثم تبيّن خلاف ذلك فصومه صحيح لحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: "أَفْطَرْنَا علَى عَهْدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، ولم يأمرهم النبي ﷺ بالقضاء"، فلو كان القضاء واجبًا لأُمروا به ولنقل إلينا ذلك.
والحالة الثالثة: إذا أفطر ولم يكن قاصدًا، كما لو تمضمض الصائم فنزل الماء إلى جوفه فإنه لا يفطر بذلك لأنه لم يكن قاصدًا، وهذه خلاصة أقوال الأئمة والفقهاء في المسألة.