بدا لافتا في ذروة الاستقطابات الإسرائيلية الداخلية ظهور شعبية متزايدة لوزير الحرب بيني غانتس، بصفته الوسيط المقبول لكل الأطراف، ورغم أن مصالحها متقاربة تمامًا بالتوصل إلى صيغة توافقية، فإن الغريب أن نجاح المحادثات يعتمد قبل كل شيء على شخص واحد، وهو غانتس، على الأقل وفق العديد من القراءات الإسرائيلية.
هذا التركيز على شخصية غانتس أتى بعد إعلان وزير الحرب يوآف غالانت بشأن ضرورة وقف التشريع الانقلابي، ما دفع غانتس الذي يقود المعسكر الوطني لتوجيه رسالة لجميع أعضاء الائتلاف الحكومي مأخوذ عنوانها من الأسفار التوراتية، وتضمنت تعابير المصالحة، والسعي لتحقيق الإجماع الإسرائيلي، ورغم أنه "أقرّ بأحقية الائتلاف الحالي باتخاذ القرارات وسن التشريعات التي يراها مناسبة، لكنه اشترط أن تكون مستندة لوجهة نظر واسعة".
رسالة غانتس هذه شكلت موقفًا مخالفًا لما شهده الإسرائيليون منذ قيام الحكومة اليمينية الحالية، من شيوع مفاهيم الاستقطاب والكراهية والتحريض الذي كاد أن يمزقهم إربًا، مع انتشار أجواء العداوة والاستياء التي لا يتم كبح جماحها بكبسة زر من غانتس، وهي بالمناسبة لن تتوقف بشكل كامل، ويحتمل أن تستمر في مرافقة الإسرائيليين في محيطهم المباشر، وصولا لحدوث تصدّع حقيقي في الجدار الإسرائيلي الداخلي.
رغم ذلك فإن غانتس أظهر رغبته بإنجاز هذه المهمة المعقدة والصعبة للغاية، وهو يدرك حجم التناقضات بين مواقف الفرقاء وتضارب مصالحهم، ولسان حالهم وهم يتفاوضون وكأنهم "يضعون البندقية على الطاولة"، مع احتمال وارد جدًا بأنه إذا لم يتم التوصل لاتفاق مع افتتاح الجلسة التالية للكنيست أواخر أبريل، فإن الائتلاف قد يصرّ على أن يتم التصويت على ذات النص المتوافق عليه بين أركانه.
في هذا السياق، لا ينفي الإسرائيليون فرضية احتمالات حدوث انشقاق داخل الائتلاف، أو حل الكنيست، وتقديم موعد الانتخابات، وهذه خيارات تعكس إمكانية فشل المحادثات، ولا سيما مع تراجع احتمالات تأجيل العملية التشريعية، أو تجميدها، حتى "قبول دستور توافقي"، غير متاح حالياً لدولة الاحتلال، ولعل بعض أطراف المعارضة يدركون ذلك، خاصة من حزب "يوجد مستقبل" برئاسة رئيس الحكومة السابق يائير لابيد، ويمهدون الطريق لتفجير المفاوضات، ما يجعل من غانتس منافسا جادا لقيادة المعسكر البديل للتحالف القائم.
مما يؤكد هذه الفرضية أن نتائج الاستطلاعات التي جاءت بعد تجميد الانقلاب القضائي، منحت غانتس هذه الأفضلية، وأثبتت جدوى الخطوة التي اتخذها، على الأقل مرحلياً، على اعتبار أن الغالبية العظمى من الجمهور الإسرائيلي مهتم بالتوصل إلى حل وسط بدل الذهاب لخيار الفوضى العارمة، ما يفسح المجال أمام غانتس الذي ارتفعت شعبيته للتنافس جنبًا إلى جنب مع نتنياهو لابيد في السباق على لقب "المرشح الأنسب لرئاسة الوزراء".