مثلما يرث الأطفال لون الشعر ونعومته وشكل العينين والأنف ولون البشرة، كذلك يرثوا العادات والتقاليد والمفاهيم والمعتقدات والأفكار. وتنتقل الأفكار للطفل عبر السلوك والصور التي يتلقاها من والديه والمجتمع المحيط, وليس بالضرورة عبر التلقين, فمثلًا مفهوم العدالة والمساواة والأفكار التي تتكون حولهما لدى الأبناء تنتقل إليهم عبر المشاهدة والممارسة داخل الأسرة.
ويعتبر مفهوم الزواج من أكثر المفاهيم المتباينة بين المجتمعات حيث تختلف عاداته وطقوسه وحتى الفكرة الراسخة عنه حسب الموروثات الثقافية التي يرثها الفرد عن الأسرة والمجتمع، وتعد الأسرة هي المنشأ الأساسي لمفهوم الزواج, فإن كان الوالدان نموذجاً إيجابياً للأزواج نشأ الأبناء يحملون نفس النموذج بكل صوره السلوكية, واستطاعوا النجاح كأزواج، أما إن مثل الوالدان نموذجاً سيئاً مشوهاً كزوجين؛ فإن الأبناء سيحملون نفس الصور ويطبقون نفس الأساليب ويفشلون في إنشاء علاقات زوجية سليمة.
في عصر يكثر فيه اللغط والاضطرابات والأزمات يبقى الوالدان أهم ناقل للأفكار
إن من أهم الواجبات التي على الوالدين القيام بها تجاه أبنائهم هي إعدادهم لمواجهة الحياة بكل مراحلها، وأهم هذه المراحل هي الإقبال على الزواج وتكوين الأسرة، وعليهم تزويد الأبناء بكل المعرفة اللازمة لإنجاح حياتهم الزوجية، وترسيخ المفاهيم التي تساعد على ذلك، وأهمها: أن الزواج الناجح هو المبني على إعطاء الواجبات وليس على أخذ الحقوق، حيث لا يتطلب الزواج الناجح اختيار الشخص الصحيح، إنما يتطلب أن تكون أنت الشخص الصحيح.
"قبل أن تبحث عن نصفك الآخر تأكد أن نصفك الأول مكتمل ومستعد للنصف الثاني"
أحمد الشقيري
يحمل كل منا أفكاره الموروثة والمكتسبة عن الزواج من الطفولة إلى أن يقدم عليه ويبدأ تلقائياً بتطبيق ما لديه من مخزون فكري وسلوكي سواء عند اختيار الشريك أو بعد الارتباط وبداية الحياة الزوجية بينهما. وإن كان كل منا حريصاً على إنجاح زواجه عليه أن يكون مستعداً لهذه العلاقة واعياً لأهميتها بالنسبة له وللشريك, ثم عليه أن يحسن اختياره, ويبحث عن أسرار النجاح للعلاقة الزوجية ويستعين بكل ما اكتسب من طرق لحل المشكلات التي تواجهه إن كانت الفكرة الراسخة لديه ضرورة إنجاح العلاقة الزوجية؛ لضمان الاستقرار ولنيل السعادة المرجوة. وقد يحتاج مساعدة ونصيحة فليحسن التوجه للناصح الأمين ويبتعد عن المفسدين.
"إن الزواج ليس تنفيساً عن ميل بدني فقط، إنه شركة مادية وأدبية واجتماعية تتطلب مؤهلات شتى"
محمد الغزالي
إن استطعنا التركيز على مواصفات الزواج الناجح لا مواصفات الزوج أو الزوجة وأصلحنا أفكارنا حول الزواج فلن يدخل حياتنا إلا الأشخاص المناسبون ومنهم نختار الأنسب، وبذلك من المهم جداً ألا يقدم أي منا على الزواج حتى يكون أهلاً له, ولا على الإنجاب حتى يكون قادراً على التربية وعلى الصبر عليها. وعلينا أن ندرك أنه بمجرد الزواج تبدأ أفكارنا الرومانسية بالتغيير وتفقدنا دوامات الحياة وتقلباتها ومسؤولياتها الكثير من الرغبات الفردية والأحلام الوردية، وهنا علينا أن نتسلح بالحكمة والشجاعة لكي لا نفكر في إنهاء العلاقة بدلاً من تقويمها وتقويتها ونشرع في التفكير بعلاقة أخرى نبنيها على أطلال الأولى.
"الزواج الناجح صرح لابد من أن يعاد بناؤه كل يوم"
أندريه موروا
عندما يعتقد أي منا أن الزواج هو الأولاد والتعب والمصاريف والديون ومشاكل الأهل والخيانة الزوجية والتقصير والإهمال والتعاسة، فإن هذا حقاً ما سيحصل عليه لأننا ببساطة نتاج ما نفكر به. بينما لو فكر أنه السكن والسكينة والمودة والرحمة والتغاضي والمغفرة والمشاركة وتكوين أسرة متحابة آمنة مستقرة فإنه سيحصل على ما فكر فيه دون شك.